الاختياريّة، [لَما وجَدنا ذلك]. فكلّ حجةٍ تذكرونها في خلاف ذلك، إِمّا أن لا تكون قادحة فيما ذكرناه؛ فقد حَصَل مقصودُنا، لسلامة ما ذكرناه مِن قادحٍ. أو تكون قادحةً؛ فلا تَستحقّ الجوابَ؛ لأنّ القادح في الضروريّات معلومُ البطلانِ بالضرورة؛ فلا يَستحقّ الجوابَ".
والجواب أنّ ما ذكره مستدرَكٌ ضعيفٌ. أمّا كونه مستدرَكًا، فإنّ قولَه، "ما ذكرتكوه من الحجج على أنّ العبد ليس موجِدًا لأفعاله، إِمّا أن يكون قادحًا فيما ذكرناه من العلم الضروريّ، أو لا يكون"، لا معنى له؛ لأنّ المعلوم بالضرورة لا يَقدَح فيه شيءٌ. لأنّ القدح في الدليل ونحوه هو تضعيفه وتوهينه؛ والضروريّات لا يَلحَقها ذلك. وهو قد أَثبت القدحَ فيما ذكره منه على أحد التقديرية، وذكر أنّ حَكمه أنّه لا يَستحِقّ الجوابَ. وقد كان سبيله أن يَعكس، فيقول: "ما ذكرتموه، إِمّا أن لا يَستحِقّ جوابًا، فقد كُفِينا مؤونَته؛ أو يَستحِق جوابًا، لكنّه على كلّ حالٍ لا يقوى على دفعِ الضرورات".
فذلك أسدُّ ممّا ذَكَره.
وأمّا كونه ضعيفًا، فلوجهين.
أحدهما: أنّ العلم الضروريّ لا يَتنازع فيه العقلاءُ. وهذه مسألة قد وَقَع النزاعُ فيها مِن أوّل العالَمِ، وإِلى آخره. ولم يزل الناسُ قبل أبي الحسين إِمًا قائلٌ بأنّ العبد موجِدٌ لأفعاله، أو منكرٌ لذلك على جهة الجبر، أو على جهة التوسُّط. فالناس فيها ثلاث فِرَقٍ: قدريّةٌ ومجبرةٌ ومتوسّطةٌ. فكيف تصحّ نسبةُ هؤلاء كلّهم إِلى إِنكار الضرورات! وإِنما المعلوم بالضرورة أنّ أفعال العبد دائرةٌ مع قصدِه وإِرادته التامّةوجودًا وعدمًا. أمّا كونه هو المؤثِّر فيها، فلا؛ وهو محلّ النزاع.
الوجه الثاني: أنّ كلّ عاقلٍ، فهو يَعلم من نفسه بالضرورة أنّ إِرادته لشيءٍ لا تتوقّف على إِرادة له أخرى. بل سواءٌ أراد تلك الإِدارة، أو لم يُرِدها، فإنها تحصلُ له؛ ويَعلم أنّ تلك الإدارة متى حصلَت له جازمةٌ، وَجَبَ بعدها حصولُ المرادِ. وإِذا كان العلم الضروريُّ بصحّة هاتين المقدّمتين حاصلًا، عُلِم بالضرورة أنّ لا إِرادة منه ولا فِعل؛ بل الإِرادة حاصلةٌ به بِفعل الله سبحانه، وهى المسمّى"بالداعي المرجِّح لأحدِ طرفي الممكِن". والفعل واقعٌ بِفعل الله، بواسطة تلك الإِرادة. فقد انعكس ما قاله؛ وصار