مستفيدا يطلب فائدة لدينه, بل لا طالب إلا لكلام مزخرف يستمال به العوام في معرض الوعظ, أو لجدال معقد يتوصل به إلى إفحام الأقران, ويتقرب به إلى السلطان, ويستعمل في معرض المنافسة والمباهاة.

وأقرب علم مرغوب فيه المذهب ولا يطلب غالبا إلا للتوصل إلى التقدم على الأمثال, وتولى الولايات واجتلاب الأموال, وهؤلاء كلهم يقتضي الدين والحزم الاعتزال عنهم, فإن صدوف طالب الله ومتقرب بالعلم إلى الله فأكبر الكبائر الاعتزال عنه, وكتمان العلم منه, وهذا لا يصادف في بلد كبير أكثر من واحد أو اثنين إن صودف.

ولا ينبغي أن يغتر الانسان بقول سفيان: ((تعلمنا العلم لغير الله فأبى أن يكون إلا الله)) , وأن الفقهاء يتعلمون لغير الله ثم يرجعون إلى الله. وانظر إلى أواخر أعمار الأكثرين منهم, واعتبرهم أنهم ماتوا وهم هلكى على طلب الدنيا ومتكالبين عليها, أو راغبين عنها / وزاهدين فيها, وليس الخبر كالمعاينة.

واعلم أن العلم الذي أشار إليه سفيان هو علم الحديث وتفسير القرآن ومعرفة سير الأنبياء والصحابة فإن فيها التخويف والتحذير, وهي سبب لإثارة الخوف من الله تعالى, فإن لم يؤثر في الحال أثر في المآل. فأما الكلام والفقه المجرد الذي يتعلق بفتاوى المعاملات وفصل الخصومات, المذهب منه والخلاف, فلا يرد الراغب فيه للدنيا إلى الله بل لا يزال متماديا في حرصه إلى آخر عمره, فلا ينبغي أن يخادع الإنسان نفسه, فإن المقصر العالم بتقصيره أسعد حالا من الجاهل المغرور أو المتجاهل المغبون. وكل عالم اشتد حرصه على التعليم يوشك أن يكون غرضه القبول والجاه, وحظه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015