قال: ((وأصناف غرور أهل العلم في هذه الأعصار المتأخرة خارج عن الحصر, وإذا أراد الله خيرا بصره بعيوب نفسه, ومن سرته حسناته وساءته سيئاته فهو مرجو الحال, وأمره أقرب من المغرور المزكي لنفسه الممتن على الله بعلمه وعمله, الظان أنه من خير خلقه. وهذا غرور الذين حصلوا العلوم المهمة لكن قصروا في العمل بالعلم.
فأما غرور الذين قنعوا من العلوم بما لا يهمهم, فمنهم فرقة اقتصروا على
علم الفتاوى والحكومات والخصومات وتفاصيل المعاملات الدنيوية الجارية بين الخلق لمصالح المعايش, وخصصوا اسم الفقه بها وسموها الفقه وعلم المذهب, وربما ضيعوا مع ذلك الأعمال الظاهرة والباطنة, فلم يتفقدوا الجوارح, ولم يحرسوا اللسان عن / الغيبة, والبطن عن الحرام, والرجل عن المشي إلى السلاطين, وكذا سائر الجوارح, ولم يحرسوا قلوبهم عن الكبر والرياء والحسد وسائر المهلكات؛ فهؤلاء مغرورون من حيث العمل والعلم.
أما العمل فقد ذكرنا أن مثالهم مثال المريض إذا تعلم نسخة الدواء واشتغل بتكراره وتعليمه. لا بل مثالهم من به علة البواسير والبرسام وهو مشرف على الهلاك ويحتاج إلى تعلم الدواء واستعماله, فاشتغل بتعلم دواء الاستحاضة, وبتكرار ذلك ليلا ونهارا مع علمه بأنه رجل لا يحيض ولا يستحاض, ولكن يقول: ربما وقع علة الاستحاضة لامرأة وتسألني عنها,