ثم قال: ((وأما الخلافيات التي أحدثت في هذه الأعصار المتأخرة وأبدع فيها من التحريرات والتصنيفات والمجادلات ما لم يعهد مثلها في السلف, فإياك وأن تحوم حولها, واجتناب السم القاتل فإنه الداء العضال, وهو الذي رد الفقهاء كلهم إلى طلب المنافسة والمباهاة على ما سيأتيك تفضيل غوائلها وآفاتها)).

قال: ((وهذا الكلام ربما يسمع من قائله فيقال: الناس أعداء ما جهلوا, فلا تظن ذلك, فعلى الخبير سقطت فيه, واقبل هذه النصيحة ممن ضيع العمر فيه زمانا, وزاد فيه على الأولين تصنيفا وتحقيقا وجدلا وبيانا, ثم ألهمه الله سبحانه رشده / وأطلعه على غيه, فهجره واشتغل بنفسه, ولا يغرنك قول من يقول: الفتوى عماد الشرع, ولا تعرف علله إلا بعلم الخلاف فإن علل المذهب مذكورة في المذهب, والزيادة عليها مجادلات لم يعرفها الأولون ولا الصحابة, وكانوا أعلم بعلل الفتاوى من غيرهم, بل هي - مع أنها غير مفيدة في علم المذهب فهي - ضارة مفسدة لذوق الفقه. وقد رئي بعض العلماء في المنام فقيل له: ما خبر تلك العلوم التي كنت تجادل فيها وتناظر عليها؟ فبسط يده ونفخ فيها وقال: طاحت كلها هباء منثورا, ما انتفعت إلا بركعتين خلصتا لي في جوف الليل)).

وقد سبق في بعض الفصول المتقدمة أخبار وآثار في ذم الجدل.

ثم قال الغزالي رحمه الله:

((اعلم أن الخلافة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم تولاها الخلفاء الراشدون وكانوا أئمة وعلماء بالله تعالى وفقهاء في أحكامه, ومستقلين بالفتاوى في الأقضية,

طور بواسطة نورين ميديا © 2015