مشير وَلَا لَهُ ملْجأ وَلَا عشير إِنِّي لما وصفتك لَهُم بِالْعَلَاءِ وخصصتك بِالْحَمْد وَالثنَاء شددت بِالْوَثَاقِ وضيق عَليّ الخناق وتلألأت فَوقِي السيوف وتعرضت لي الحتوف فَإِن لم يجد الْأَمِير لي عذرا فليحل بِي عِقَابه وليبسط عَليّ عَذَابه فَقَالَ كذبت يَابْنَ اللخناء السفنج النوكاء بل كَانَ قَلْبك منافقاً وَلِسَانك مماذقاً وَأَرَدْت إخفاء مَا الله مظهره من غدرك وإسرار مَا الله معلنه من أَمرك
ثمَّ قَالَ نعم السمير انت يَابْنَ الْقرْيَة لَوْلَا تصديرك الْكتب لعبد الرَّحْمَن بن الْأَشْعَث فصر إِلَى هِنْد فأبلغها عني طَلاقهَا الْكَلِمَتَيْنِ لَا تزد عَلَيْهِمَا وَقد أمرت لَك بِمِائَة ألف دِرْهَم فَصَارَ إِلَيْهَا فَقَالَ إِن الْأَمِير يَقُول لَك كنت فبنت فَقَالَت وَالله مَا فرحنا بِهِ إِذْ كَانَ وَلَا حزنا عَلَيْهِ إِذْ بَان قَالَ وَقد أَمر لَك بِمِائَة ألف دِرْهَم مَتَاعا قَالَت هِيَ لَك بشرى ثمَّ انْصَرف فَقَالَ لَهُ الْحجَّاج أعد لي خطْبَة أَخطب بهَا فأعدها قَالَ وتقدمني إِلَى الْمَسْجِد لتنظر مَا يكون لي فِيهَا
وَلما انْصَرف قَالَ كَيفَ رَأَيْتنِي قَالَ رَأَيْت الْأَمِير خَطِيبًا مصقعا قَالَ لتخبرني قَالَ رَأَيْت الْأَمِير يُشِير بِالْيَدِ وَيكثر بِالرَّدِّ ويستعين بأما بعد
قَالَ ثمَّ دَعَا بالنطع فَقَالَ ابْن الْقرْيَة إِن رَأَيْت أَن تَأذن لي بِكَلِمَات أَتكَلّم بِهن يكن بعدِي مثلا قَالَ هتهن قَالَ أَيهَا الْأَمِير لكل جواد كبوة وَلكُل شُجَاع نبوة وَلكُل كريم هفوة ثمَّ أنشأ يَقُول
(أَقلنِي أَقلنِي لَا عدمتك عثرتي ... فَكل جواد لَا محَالة يعثر)