الْمُحَقق التَّفْتَازَانِيّ وَبَالغ فِي مساعدته حَتَّى قَالَ: فَإِن قلت قد صَرَّحُوا بِاسْتِعْمَال الْأَمر فِي النّدب وَالْإِبَاحَة وإرادتهما مِنْهُ، وَلَا ضَرُورَة فِي حمل كَلَامهم على أَن المُرَاد أَنه يسْتَعْمل فِي جنسهما عُدُولًا عَن الظَّاهِر: وَمَا ذكر من أَن الْأَمر لَا يدل على جَوَاز التّرْك أصلا، إِن أَرَادَ بِحَسب الْحَقِيقَة فَغير مُفِيد، وَإِن أَرَادَ بِحَسب الْمجَاز فمحال، لم لَا يجوز أَن يسْتَعْمل اللَّفْظ الْمَوْضُوع لطلب الْفِعْل جزما فِي طلبه مَعَ إجَازَة التّرْك وَالْإِذْن فِيهِ مرجوحا أَو مُسَاوِيا بِجَامِع اشتراكهما فِي جَوَاز الْفِعْل جرما فِي طلبه مَعَ إجَازَة التّرْك قلت هُوَ كَمَا صَرَّحُوا بِاسْتِعْمَال الْأسد فِي الْإِنْسَان الشجاع من حَيْثُ أَنه من أَفْرَاد الشجاع لَا من حَيْثُ أَنه مَدْلُول بِهِ على ذاتيات الْإِنْسَان، فاستعماله صِيغَة الْأَمر فِي النّدب وَالْإِبَاحَة من حَيْثُ أَنَّهُمَا من أَفْرَاد جَوَاز الْفِعْل وَالْإِذْن وَتثبت خُصُوصِيَّة كَونه مَعَ جَوَاز التّرْك بِالْقَرِينَةِ كَمَا أَن الْأسد يسْتَعْمل فِي الشجاع، وَيعلم كَونه إنْسَانا بِالْقَرِينَةِ انْتهى، وَتعقب المُصَنّف صدر الشَّرِيعَة بقوله (وَلَا يخفى أَن الدّلَالَة على الْمَعْنى وَعدمهَا) أَي عدم الدّلَالَة على الْمَعْنى (لَا دخل لَهَا فِي كَون اللَّفْظ مجَازًا، وَعَدَمه) أَي عدم كَونه مجَازًا بِأَن تكون حَقِيقَة قَاصِرَة أَو غير قَاصِرَة (بل) مدَار كَونه مجَازًا أَو حَقِيقَة (اسْتِعْمَال اللَّفْظ فِيهِ) أَي فِي الْمَعْنى (وإرادته) أَي الْمَعْنى (بِهِ) أَي بِاللَّفْظِ، فَإِن كَانَ الْمَعْنى الْمُسْتَعْمل فِيهِ مَا وضع لَهُ أَو جزءه كَانَ حَقِيقَة على الِاصْطِلَاح الْمَذْكُور، وَإِن كَانَ غَيرهمَا كَانَ مجَازًا، وَكم بَين الدّلَالَة والاستعمال: أَلا ترى أَن اللَّفْظ الْمُسْتَعْمل فِيمَا وضع لَهُ يدل على الْجُزْء اللَّازِم وَلَيْسَ بمستعمل فِي شَيْء مِنْهُمَا حِينَئِذٍ (وَلَا شكّ أَنه) أَي الْأَمر (اسْتعْمل فِي الْإِبَاحَة وَالنَّدْب بِالْفَرْضِ) على مَا هُوَ الْمَفْرُوض، فَإِن المنازع فِيهِ إِنَّمَا هُوَ الْأَمر الْمُسْتَعْمل فيهمَا مَعَ تَسْلِيم كَونه مَوْضُوعا للْوُجُوب هَل حَقِيقَة فيهمَا أَو مجَاز؟ وَصدر الشَّرِيعَة بصدد تَوْجِيه كَونه حَقِيقَة فيهمَا: فَقَوله أَن لأمر يدل على جُزْء من الْإِبَاحَة، وَهُوَ جَوَاز الْفِعْل لَا يُغْنِيه، لِأَن ذَلِك الْجُزْء مَدْلُول لَهُ وَلَيْسَ بمستعمل فِيهِ حَتَّى يكون حَقِيقَة قَاصِرَة فِي الْجُزْء، وَلَا يلْزم مِنْهُ كَونه حَقِيقَة فِي الْإِبَاحَة والنزاع فِيهَا (فَيكون) الْأَمر (مجَازًا) فيهمَا (وَإِن لم يدل الْأَمر حِينَئِذٍ) أَي حِين اسْتعْمل فيهمَا (إِلَّا على جزئه) أَي جُزْء كل من الْإِبَاحَة وَالنَّدْب (إِطْلَاق الْفِعْل) عطف وَبَيَان لفعله، ثمَّ أَشَارَ إِلَى مَا أجَاب بِهِ الْمُحَقق التَّفْتَازَانِيّ عَنهُ بقوله (وَكَون اسْتِعْمَاله) أَي الْأَمر (فيهمَا) أَي النّدب وَالْإِبَاحَة (من حَيْثُ هما) النّدب وَالْإِبَاحَة (من أَفْرَاد الْجَامِع) بَينهمَا وَبَين الْوُجُوب (وَهُوَ) أَي الْجَامِع (الْإِذْن) فِي الْفِعْل (كاستعمال الْأسد فِي الرجل الشجاع من حَيْثُ هُوَ) أَي الرجل الشجاع (من أَفْرَاده) أَي من أَفْرَاد الشجاع الْمُطلق كَمَا تقرر من أَن الْمُسْتَعَار لَهُ فِي اسْتِعْمَاله إِنَّمَا هُوَ شخص من أَفْرَاد الشجاع الْمُطلق، وخصوصية كَونه رجلا يفهم