بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
(وَبِهِ التَّوْفِيقُ، وَمِنْهُ اْلإِعَانَةُ)
سُبْحَانَ من نور الْعقل بنوره، ورتب أَحْكَام الْوُجُود قبل ظُهُوره، وَأظْهر بِحِكْمَتِهِ الْفُرُوع من الْأُصُول، وأوضح بكتابه الْمَعْقُول وَالْمَنْقُول، فسر بمحكمه مَا تشابه على الْأَنَام، ونفع بِظَاهِرِهِ الْخَاص وَالْعَام، مَفْهُومه مَنْطُوق أسفار جَامِعَة، وإشارته من سوق الْعبارَة لامعة، وَبَين مجمله الرَّسُول الْأمين، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَآله وَصَحبه أَجْمَعِينَ، نَبِي أُوتِيَ جَوَامِع الْكَلم، فقبس مِنْهُ الْعلم كل من علم، أخْبرت الْأَنْبِيَاء عَن أَوْصَاف حَقِيقَته، وأجمعت الْعُقُول على اسْتِحْسَان شَرِيعَته، تَوَاتر فِي الْأَعْصَار حسن خصاله، فيا قبح من يخفاه صدق مقاله، عجز الْقيَاس عَن وصف كَمَاله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَآله. (أما بعد) فَيَقُول الْفَقِير إِلَى رَحْمَة الله " مُحَمَّد أَمِين " الشهير بأمير بادشاه الْحُسَيْنِي نسبا، الْحَنَفِيّ مذهبا، الْخُرَاسَانِي مولدا، البُخَارِيّ منشأ، الْمَكِّيّ موطنا: أَن الْعلم حَيَاة النَّفس وكمالها، وصفوته أَن تعرف مَا عَلَيْهَا وَمَا لَهَا، وَهِي ملكة لَا تحصل إِلَّا بأصولها، فَوَجَبَ معرفَة الْأُصُول قبل وصولها.
وَقد اشْتهر فِي الْآفَاق، بِمُوجب الِاسْتِحْقَاق، مُخْتَصر الإِمَام المدقق، والعلامة الْمُحَقق، ذِي الرَّأْي الثاقب، الشَّيْخ ابْن الْحَاجِب، وَشَرحه للعلامة الْمُحَقق، والتحرير المدقق، عضد الْملَّة وَالدّين، أَعلَى الله درجتهما فِي عليين، وحاشيته للمحقق الثَّانِي، الْعَلامَة التَّفْتَازَانِيّ، أستاذ المخلصين، وخلاصة الْمُتَأَخِّرين، شكر الله بره، وَقدس سره، وَكتاب التَّنْقِيح، مَعَ شَرحه التَّوْضِيح، للْإِمَام الْمُحَقق، وَالْبَحْر المدقق، صدر الشَّرِيعَة وَالْإِسْلَام، أَعلَى الله دَرَجَته فِي دَار السَّلَام، وحاشيته الْمُسَمّى بالتلويح، ناهيك بِهِ فَإِنَّهُ غَنِي عَن المديح.
وَكنت أَقُول: إِن الْعلم انْتهى إِلَيْهِم، وَلَا يطْلب التَّحْقِيق إِلَّا لديهم، إِلَى أَن ظَفرت بمتن بسيط، وبحر مُحِيط بِمَا فِي الْكتب المزبورة، وَغَيرهَا من المؤلفات الْمَشْهُورَة، مَعَ تحقيقات خص بهَا عَن غَيره، فَللَّه در مُصَنفه، وَكَثْرَة خَيره، أبطاله التحقيقات من ذكر غير مَحْصُور، وَدفعهَا غَايَة المرام وَهُوَ غير مَقْدُور، من سلك مَعَه مَسْلَك الْإِنْصَاف، وتجنب عَن التعصب والاعتساف، علم أَن يَدُور مَعَ الْحق أَيْنَمَا دَار، ويسير مَعَ الصَّوَاب حَيْثُمَا سَار، غير أَنه أفرط