مقصودًا لذاته، فلا يقصد به مجرد الأحاديث التأريخية، والخوض الذي تزجى به الأوقات، ويؤدي إلى تسويد القلوب.
ومن أحسن ما أُثِر في هذا قول عمر بن العزيز ـ رحمه الله ـ: لما قيل له: ما تقول في أهل صفين؟ فقال: تلك دماء طهر الله يدي منها، فلا أحب أن أخضب لساني بها (?).
وهذا معنى عظيم، وأصل يجب التفطن له والتمسك به؛ بل إن هذا المعنى هو الواجب نحو ما يكون بين المسلمين، فكيف بأصحاب الرسول - صلى الله عليه وسلم - الأخيار، خير هذه الأمة.
ثم من هذا الأصل يقولون: إن ما نقل من المساوئ من تلك الحروب، أو غيرها منها: ما هو كذب، فالأخبار التأريخية كثير منها كذب، وقد يكون أصل الخبر واقعا، لكن التفصيلات منها ما هو كذب، ومنها ما زيد فيه ونقص وغُيِّرَ عن وجهه، هذا قسم.
والصحيح مما أُثِرَ من مساوئ الصحابة هم فيه معذورون مأجورون؛ إما مجتهدون مصيبون، وإما مجتهدون مخطئون، فهم مأجورون بأجر أو أجرين، فيجب الكف عن الخوض في مساوئهم، والتماس العذر فيما ثبت، وما لم يثبت لا ينظر فيه، ويرد من أول وهلة.
لكن ما ثبت يُخَرَّج على هذا الوجه: أن ما وقع هو اجتهاد، وهذا لا يقتضي أن الصحابة معصومون، بل أهل السنة لا يقولون: إن أحدًا من الصحابة معصوم، فالعصمة إنما هي للرسول - صلى الله عليه وسلم - (?).
أما الصحابة فهم بشر تجوز عليهم الذنوب في الجملة، وتعرض لهم العوارض النفسية، وتحصل من أحدهم الزلة، والله تعالى يقول {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ} [(201) سورة الأعراف]