ـ وقال رحمه الله يجب هدم القباب التي بنيت على القبور لأنها أسست على معصية الرسول صلى الله عليه وسلم وقد أفتى جماعة من الشافعية بهدم ما في القرافة من الأبنية منهم ابن الجميزي والظهير الترمذي وغيرهما قال الإمام الصنعاني رحمه الله في تطهير الاعتقاد عن أدران الإلحاد بعد أن ذكر فصولا نافعة بين منها أقسام التوحيد وأنواع العبادات
(فصل) الاعتقاد في غير الله شرك: قد عرفت من هذا كله أن من اعتقد في شجر أو حجر أو قبر أو ملك أو جني أو حي أو ميت أنه ينفع أو يضر أو أنه يقرب إلى الله أو يشفع عنده في حاجة من حوائج الدنيا بمجرد التشفع به إلى أن قال: واعتقد ما لا يحل اعتقاده كما اعتقد المشركون في الأوثان فضلا عن من ينذر بماله وولده لميت أو حي أو يطلب من ذلك الميت ما لا يطلب إلا الله تعالى من الحاجات من عافية مريضه أو قدوم غائبه أو نيله لأي مطلب من مطالب فإن هذا هو الشرك بعينه الذي كانت تفعله الجاهلية وإنما كانوا يفعلونه لما يسمونه وثنا وصنما وفعله القبوريون لما يسمونه وليا وقبرا ومشهدا فالأسماء لا أثر لها ولا تغير المعنى ضرورية لغوية وعقلية وشرعية. فإن من شرب الخمر وسماها ماءً ما شرب إلا خمرا وعقابه عقاب شارب الخمر ولعله يزيد عقابه للتدليس والكذب في التسمية إلى أن قال وكذلك تسمية القبر مشهدا ومن يعتقدون فيه وليا لا يخرجه عن اسم الصنم والوثن إذ هم معاملون لها معاملة المشركين للأ صنام ويطوفون بها طواف الحجاج ببيت الله الحرام ويستلمونها استلام أركان البيت ويخاطبون الميت بالكلمات الكفرية من قولهم على الله وعليك ويهتفون بأسمائهم عند الشدائد ونحوها. قال العلامة الشوكاني رحمه الله في شرح الصدور بتحريم رفع القبور: اعلم أنه قد اتفق سابقهم ولاحقهم وأولهم وآخرهم من لدن الصحابة رضي الله عنهم إلى هذا الوقت أن رفع القبور والبناء عليها بدعة من البدع التي ثبت النهي عنها واشتد وعيد النبي صلى الله عليه وسلم لفاعلها كما يأتي بيانه ولم يخالف في ذلك أحد من المسلمين أجمعين اهـ. قال الإمام النووي رحمه الله في شرح مسلم على حديث جندب رضي الله عنه: قال العلماء: إنما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن اتخاذ قبره واتخاذ قبر غيره مسجدا خوفا من المبالغة في تعظيمه والافتتان به وربما أدى ذلك إلى الكفر كما جرى لكثير من الأمم الخالية وقال الشيخ محمد صديق حسن القنوجي البخاري في كتابه الدين الخالص: وأما فتنة القبور فقد أدت إلى الشرك بالله في صفاته الخاصة به عز وجل وطال ذيولها وسالت سيولها وأولدت فتنا كثيرة لا يحصيها إلا الله تعالى إلى أن هجرت عبادة الرب وجعلوه معطلا وصارت العبادة كلها للأموات واعتقدوا فيهم ما لا يجوز اعتقاده إلا في خالق الكائنات وابتدعوا لهم أنواع التصرفات في العالم وابتلي بذلك كل جاهل في الدنيا والعالم وصارت القبور قبلة الحاجات وكعبة المرادات واستراحوا في الاستغاثة لغير رب الأرباب وجعلوا للموتى المشاهد وبنوا لهم ألوانا من القباب ولم يعلموا أن هذه الافتعالات مضادة للشريعة الحقة ماحية للسنن الصادقة فإنا لله وإنا إليه راجعون. ولا شك أن أصل شرك العالم طلب الحوائج من الموتى والاستعانة بهم والتوجه إليهم فإن الميت قد انقطع عمله وهو لا يملك لنفسه نفعا ولاضرا فضلا عمن استغاث به أو سأله أن يشفع له إلى الله وهذا من جهله بالشافع والمشفوع عنده فإن الله تعالى لا يشفع عنده أحد إلا بإذنه يقول تعالى: (من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه) والله لم يجعل سؤال غيره سببا لإذنه وإنما السبب لإذنه كمال التوحيد. ولذلك لما قال أبو هريرة رضي الله عنه من أسعد الناس بشفاعتك يا رسول الله قال: "من قال لا إله إلا الله خالصا من قلبه" وجاء هذا المشرك بسبب يمنع الإذن وهو جعله وساطة بينه وبين الله من لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا والميت محتاج إلى من يدعو له كما أوصانا النبي صلى الله عليه وسلم إذا زرنا قبور المسلمين أن نترحم عليهم ونسأل لهم العافية والمغفرة.