الله ومن طلب الهدى من غيرهما فقد تنكب عن سواء السبيل ثم أذن مؤذنه صلى الله عليه وسلم ثم أقام فصلى الظهر ثم أقام فصلى العصر جمعا وقصرا ولم ينتقل بينهما ثم ركب ناقته حتى أتى الموقف فجعل بطن ناقته القصواء إلى الصخرات وجعل حبل المشاة بين يديه واستقبل القبلة واستمر واقفا حتى غربت الشمس وذهبت الصفرة وقال وقفت ها هنا وعرفة كلها موقف وارفعوا عن بطن عرفة وصعود الجبل غير مشروع ولا أصل له ويمتد وقت الوقوف إلى طلوع فجر اليوم العاشر بدليل ما رواه عبد الرحمن الديلي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أدرك معنا هذه الصلاة وأتى عرفات ليلا أونهارا فقد تم حجه وقضى تفثه) ولما رواه أبو داود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الحج عرفة من جاء ليلة جمع قبل طلوع الفجر فقد أدرك الحج) ولما غاب القرص وذهبت الصفرة دفع الرسول صلى الله عليه وسلم مردفا أسامة خلفه وتوجه إلى المزدلفة يسير العنق فإذا وجد فجوة نص ويقول للناس عليكم بالسكينة حتى أتى المزدلفة فصلى بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين جمعا وقصرا ولم يسبح بينهما ثم نام حتى طلع الفجر فقام وصلى ثم سار حتى أتى المشعر الحرام فاستقبل القبلة ودعا ربه وقال هذا الموقف وكل المزدلفة موقف وفي أي جزء من أجزاء المزدلفة بات الحاج أجزأه ثم دفع طلوع الشمس وأردف الفضل بن عباس وسار حتى أتى بطن محسر فحرك راحلته وأسرع في المشي فيه واستمر في المشي حتى أتى الجمرة الكبرى عند الشجرة فرماها بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة ثم انصرف إلى المنحر فنحر بدنه وجميع بدنه مائة ناقة منها ثلاث وستون بدنه ساقها معه من المدينة ونحرها بيده الشريفة وسبع وثلاثون بدنة جاء بها علي من اليمن ووكله النبي صلى الله عليه وسلم في نحرها وأشركه في هديه وأكلا من لحمها وشربا من مرقها وقال نحرت ها هنا ومنى كلها منحر فانحروا في رحالكم ثم حلق رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعا للمحلقين ثلاثا وللمقصرين مرة واحدة وقال: (إذا رميتم وحلقتم فقد حل لكم الطيب وكل شيء إلا النساء) ثم وقف عليه الصلاة والسلام فجعل الناس يسألونه فقال رجل لم أشعر فنحرت قبل أن أرمي قال ارم ولا حرج وجاء آخر وقال لم أشعر فحلقت قبل أن أذبح قال اذبح ولا حرج فما سئل يومئذ عن شيء قدم ولا أخر إلا قال افعل ولا حرج والأمور المتعلقة بيوم النحر أربعة رمي الجمرة الكبرى ونحر الهدي للإبل وذبحه لغيرها والحلق أو التقصير والطواف وترتيب هذه الوظائف على هذا النحو سنة لفعله صلى الله عليه وسلم ومن عكس ناسيا أوجاهلا أو متعمدا فلا حرج وخطب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم النحر خطبة قال فيها (أتدرون أي يوم هذا؟ قلنا الله ورسوله أعلم. فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه فقال أليس يوم النحر؟ قلنا بلى. قال أي شهر هذا؟ قلنا الله ورسوله أعلم. فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه فقال أليس ذي الحجة؟ قلنا بلى. قال أي بلد هذا؟ قلنا الله ورسوله أعلم. قال أليس البلد الحرام؟ قلنا بلى. قال فإن دماءكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا إلى يوم تلقون ربكم. ألا هل بلغت؟ قالوا نعم. قال اللهم اشهد. فليبلغ الشاهد الغائب فرب مبلغ أوعى من سامع فلا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض ثم توجه إلى البيت العتيق فطاف طواف الإفاضة وأتى زمزم فشرب ثم عاد إلى منى للمبيت بها لوجوبه إلا السقاة والرعاة ومن في حكمهم فقد رخص لهم في البيوتة وأن يجمعوا الرمي في اليوم الثالث ليومهم واليوم الذي فاتهم الرمي فيه وهو اليوم الثاني. ورمى رسول الله صلى الله عليه وسلم الجمار بعد زوال الشمس وعرض عليه بناء يظله من الشمس فقال لا إنما هو مناخ لمن سبق إليه ولا بد من حصول الحجر في المرمى فلو لم يحصل فيه لم يجزه الرمي ولا بد من الترتيب في الرمي حيث يبدأ الرامي في الجمرة الأولى ثم الوسطى ثم الكبرى التي هي في منى وخطب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثاني أيام التشريق خطبة علم فيها أصحابه حكم التعجيل والتأخير وتوديع البيت ونفر رسول الله صلى الله عليه وسلم متأخرا ونزل في المحصب وصلى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء ورقد في المحصب وهو خيف بني كنانة والمعروف اليوم بالأبطح ثم ركب حتى أتى البيت الحرام فطاف به مودعا وهو واجب على من أراد السفر والخروج من مكة إلى وطنه عملا بقوله صلى الله عليه وسلم (لا ينفرن أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت) وفق الله المسلمين لما يرضيه وتقبل منا ومنهم بمنه وكرمه آمين.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.