والوصية باطلة: قال الأذرعي: (والوجه في تحريم البناء على القبور المباهاة والمضاهاة بالجبابرة والكفار، والتحريم يثبت بدون ذلك. وأما بطلان الوصية ببناء القبور وغيرها من الأبنية العظيمة في إنفاق الأموال الكثيرة عليه فلا ريب في تحريمه والعجب كل العجب ممن يلزم ذلك الورثة من حكام العصر ويعمل بالوصية بذلك) .اهـ كلام الأذرعي رحمه الله. وقد روى أبو داود من حديث جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يجصص القبر أو يكتب عليه أو يزاد عليه) و (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الكتابة عليها) كما تقدم في صحيح مسلم وقال أبو عيسى الترمذي رحمه الله: (باب ما جاء في تجصيص القبور والكتابة عليها حدثنا عبد الرحمن بن الأسود حدثنا محمد بن ربيعة عن بن جريح عن أبي الزبير قال نهى رسول الله أن تجصص القبور وأن يكتب عليها وأن يبنى عليها وأن توطأ) هذا حديث حسن صحيح وقال أبو داوود: (باب البناء على القبور) حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا عبد الرزاق قال أخبرني ابن جريج قال حدثنا أبو الزبير أنه سمع جابرا يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم: (نهى أن يقعد على القبر وأن يجصص وأن يبنى عليه) اهـ إذا تبين ذلك فهذه أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحيحة الصريحة لا مطعن فيها ولا مغمز شاهدة على أن وضع القباب والبناء على القبر والكتابة عليها وتجصيصها واتخاذها وإسراجها أمر تقرر في الشرع منعه. تحذيرا لنا أن نسلك سنن من قبلنا. وإذا تأمل الناظر أعيان ما صح فيه النهي من الشارع في هذا الباب (عرف حقيقة ما نهى عنه صلى الله عليه وسلم: قال النووي وأما الذبح لغير الله فالمراد به أن يذبح باسم غير الله كمن ذبح للصنم أو للصليب أو لموسى أو لعيسى أو للكعبة ونحو ذلك وكل ذلك حرام ولا تحل هذه الذبيحة سواء كان الذابح مسلما أو نصرانيا أويهوديا، نص عليه الشافعي واتفق عليه أصحابنا، فإن قصد مع ذلك تعظيم المذبوح له غير الله والعبادة له كان ذلك كفرا فإن كان الذابح قبل ذلك مسلما صار بالذبح مرتدا، وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أن أم سلمة رضي الله عنها ذكرت لرسول الله صلى الله عليه وسلم كنيسة رأتها بأرض الحبشة وما فيها من الصور فقال أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح أو العبد الصالح بنوا على قبره مسجدا وصوروا فيه تلك الصور أولئك شرار الخلق عند الله) قال القرطبي رحمه الله وإنما صوروا تلك الصور ليتأسوا بهم ويعملوا أعمالهم الصالحة فيجتهدوا كاجتهادهم ويعبدون الله عند قبورهم، ثم خلفهم قوم جهلوا مرادهم ووسوس لهم الشيطان أن أسلافهم كانوا يعبدون هذه الصور ويعظمونها فحذر النبي صلى الله عليه وسلم عن مثل ذلك سدا للذريعة المؤدية إلى ذلك.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله لما ذكر ما يفعله المشركون عند القبور فلأجل هذه المفسدة حسم النبي صلى الله عليه وسلم مادتها حتى نهى عن الصلاة في المقبرة مطلقا وإن لم يقصد المصلي بركة البقعة في صلاته كما يقصد بصلاته بركة المساجد، كما نهى عن الصلاة وقت طلوع الشمس وغروبها لأنها أوقات يقصد فيها المشركون الصلاة للشمس فنهى أمته عن الصلاة حينئذ وإن لم يقصد ما قصده المشركون سدا للذريعة.
وأما إذا قصد الرجل الصلاة عند القبر متبركا بالصلاة في تلك البقعة فهذا عين المحادة لله ورسوله والمخالفة لدينه وابتداع دين لم يأذن به الله فإن المسلمين قد أجمعوا على ما علموه بالإضطرار من دين الرسول صلى الله عليه وسلم. أن الصلاة عند القبور منهي عنها وأنه صلى الله عليه وسلم لعن من اتخذها مساجد فمن أعظم المحدثات وأسباب الشرك الصلاة عندها واتخاذها مساجد وبناء المساجد عليها وقد تواترت النصوص عن النبي صلى الله عليه وسلم بالنهي عن ذلك والتغليظ فيه وقد صرح عامة الطوائف بالنهي عن بناء المساجد عليها متابعة للسنة الصحيحة الصريحة وصرح أصحاب أحمد وغيرهم من أصحاب مالك والشافعي بتحريم ذلك. اهـ. وروى مسلم عن جندب ابن عبد الله قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يموت بخمس وهو يقول إني أبرأ إلى الله أن يكون لي منكم خليل فإن الله قد اتخذني خليلا كما اتخذ إبراهيم خليلا ولو كنت متخذا من أمتي خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا ألا وإن من كان قبلكم ـ كانوا يتخذون قبور أنبيائهم مساجد ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك) .
قال ابن القيم رحمه الله: وبالجملة فمن له معرفة بالشرك وأسبابه وذرائعه وفهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مقاصده جزم جزما لا يحتمل النقيض أن هذه المبالغة واللعن والنهي بصيغة لاتفعلوا وأني أنهاكم عن ذلك ليس لأجل النجاسة بل هو لأجل نجاسة الشرك اللاحقة لمن عصاه وارتكب ما عنه نهاه ولم يخش ربه ومولاه. وقل نصيبه أو عدم من لا إله إلا الله.