بل من المعلوم أن الملك قد فات النوع إلا واحدًا وهو مطلوب النوع ومع هذا فلا يعدون فواته ضررًا ولا نُسَلِّم أنه دار معه عدمًا فإن الرجل قد يتضرَّرُ من غير فَوْت مطلوب وذلك لأن الطلب مسبوق بتصور المطلوب والإنسانُ قد يكره أشياءَ وهي تضره وإن كانت نفسُه لا تستشعر طلبَ أضدادها فإن الإنسانَ يتضرَّر بالمرض وهو لا يستشعر الصحة في يطلبها لكن لو حصل له المرض لتألم به ولهذا أكثر الناس غافلون عن طلب عدم ما يضرّهم وجودُه
الوجه الثاني عشر لو سلمنا أن الإضرار دار مع ما ذكرتم فقد دار أيضًا مع فوات اللذة أو مع وجود المنافي للكمال ودار أيضًا مع حصول المؤلم الموجع ودار أيضًا مع تألُّم القلب وتفسيرُ الضررِ بهذا أصح لأنه مطَّرِدٌ منعكس فإن كلّ من فاتته لذة أو حصل له ألم أو فاته ما ينافي كمالَه يقال قد تضرَّر وإن لم يحصل شيءٌ من ذلك لا يقال تضرر ولو لم يكن أصحَّ لكن هو مدارٌ آخر فلا يتعيَّن ما ذكرتم وإذا كان كذلك فلا تَفُوت اللذة أو يحصل الألم أو يفوت الكمال بإخراج درهم من أربعين درهمًا كما هو الواقع وإن فُرِضَ رجلٌ شحيح حريص خروجُ الدرهمِ يُمِضُّه كانت طبيعتُه فاسدة فلا يُلْتَفت إلى تألُّمه ولا يستحق أن تَنْقلب الحقيقةُ به مدربة
كما أن وجود الممرور العسلَ مرًّا أو رؤية الأحوال الواحدَ اثنين ونحو ذلك لا يغيِّرُ حقائقَ الموجودات لأن القوة الدَّرَّاكة قد فسدت