بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمدُ لله العليمِ القديرِ الخالق اللطيفِ الخبيرِ الرازق السميع البصير الحكيم الصَادق العلىِّ الكبير الفاتق الراتق الذي يَسُنُّ المناهجَ والشرائعَ ويُبيِّنُ الطرائقَ ويَنْصِبُ الأعلامَ الطوالعَ لكشف الحقائق ويُنَزِّل الآياتِ والدلائلَ لبيان الجوامع والفوارق ويَقذِفُ بالحقِّ على الباطل فَيدْمَغُه فإذا هو زاهق أحمدُه ثناءً عليه بأسمائه الحُسنَى وصفاتِه العُلَى وشكرًا له على نِعَمِهِ البَواسِق وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ربُّ المغاربِ والمشارقِ وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه المؤيَّدُ بالمعجزات الخوارقِ الموضحُ لسبيل الحق في الجلائل والدقائق صلى الله عليه وعلى آله وسلَّم صلاةً وتسليمًا باقيَيْنِ ما بَقِيَتِ الخلائقُ
أما بعدُ فإن الله سبحانَه عَلِمَ ما عليه بَنُو آدمَ من كثرةِ الاختلاف والافتراقِ وتبايُن العقولِ والأخلاق حيث خُلِقُوا من طبائعَ ذاتِ تَنافُرٍ وابتُلُوا بتشَعُّبِ الأفكار والخواطر فبعثَ اللهُ الرسُلَ مُبشِّرين ومُنذِرين ومُبيِّنينَ للإنسانِ ما يُضِلُّه ويَهْديه وأنزل معهم الكتابَ بالحقّ ليَحْكُمَ بينَ الناسِ فيما اختَلَفوا فيه وأمرهم بالاعتصام به حَذَرًا من الافتراقِ في الدين وحَضَّهم عند التنازع على الردِّ إليه وإلى رسولِه المُبِين وعَذَرَهم بعد ذلك فيما يتنازعون فيه من دقائقِ الفروع العَمليَّةِ لِخَفاءِ مَدْرَكِها وخِفَّةِ مَسْلَكِها وعَدَم إفضائِها إلى بَلِيَّةٍ وحَضَّهم على المناظرة والمشاورة لاستخراج الصوابِ في الدنيا والآخرة حيثُ يقول لِمَن رَضِيَ دِينَهم وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ [الشورى 38] كما أمرَهم