العباد حتى يجعل فاعله مذمومًا معاقبًا أو يجعل فعله سببًا لعقوبة فاعله فكيف يجب ذلك وهو لو فَعَلَه لم يكن فيه ضرر أعظم من ضرر العقوبة فكيف يُشرع حكمٌ فيه من المضَرَّة ما ليس في عدمِه إذ لو يحرِّمْه لكان ضرر فعله دون عقوبته
فإن قيل كثير مما نهى الله عنه وحرَّمَه لو لم يحرِّمْه لكان إما أن يخلو عن المضرة أو فيه مضرة دون مضرة العقوبة على الفعل كما قد قرَّرتموه قبل هذا ومع هذا فقد حرَّمَه
قلنا هذا غلط بل يجب أن يُعْتَقد أن جميع تحريم ما حرَّمَه الله لو لم يكن لكان الفساد الحاصل من عدمه أكثر من الفساد الحاصل بعقوبة العاصين بتقدير الوجود وأن تقدير وجوده أقل مفسدة وأكثر مصلحة من تقدير عدمه ولو لم يكن إلا أن في التحريم من تحصيل اعتقاد التحريم والعزم على الطاعة والانقياد للناهي من المصلحة ما لو عُدمت لكان ضرر عدمها أكثر من ضرر عقوبة من يعصي
واعْتَبِر هذا بقصَّة النَّهر فإنه لولا النهي لعَبَروا كلُّهم وأكثرهم المنافقون فزادوهم خبالاً وأوضعوا خلالهم والمؤمن منهم لم يستحكم إيمانه فلعلّهم لو قاتلوا جالوت على تلك الحال لانهزموا فلما ابتلوا بالنهي عن الشُّرب أطاع من أطاع فازداد يقينًا وإيمانًا وحصل لهم النصر على عدوهم بسبب ذلك الإيمان