إما أن يكون فيه فساد أو لا يكون فإذا لم يكن فيه فساد لم يَجُز النهيُ عنه لأنه حينئذٍ إما أن يكون متساويَ الطرفين بحيث يصحّ أن يقال لا فسادَ فيه ولا صلاح أو يكون فيه صلاح من غير فساد وعلى التقديرين فلا وَجْه للمنع منه ومهما فُرِضَ النهيُ عن عبثٍ أو لعبٍ أو لهوٍ فلابدَّ من اشتماله على فساد
ومن الناس من يقول لِمَا لا مصلحة فيه ولا مفسدة قبيح لأنه عَبَث وإضاعة للزمان فيجب النهي عنه وفي الحقيقة فهذا قد تضمَّن المفسدة وإذا كان فيه فساد فإما أن لا يكون فيه صلاح وهو المطلوب أو يكون فيه صلاح أيضًا فإن تساوَى هو والفساد من كلِّ وجهٍ لم يَجُز النهيُ عنه على ما ذكرنا وعلى ما ذكره بعضُ الناس يجبُ النهي عنه وإن ترجَّح أَحدُهما فالراجح منهما مشتمل على ما لا يقَابِلُه شيء سواءٌ كان الراجحُ جانبَ المصلحة أو جانب المفسدة ومتى كان الراجحُ جانبَ المصلحة لم يَجُز النهي عنه فتعيَّن القسم الآخر ويتبيَّن بذلك أن الفعل المنهي عنه لابُدَّ أن يشتمل إما على مفسدة خالصة أو راجحة لأنه بدون ذلك يكون النهي عن المباح وهو غير جائز أو النهي عما استوى طرفاه أو راجح جانب خيره وكلاهما لا يجوز النهيُ عنه
واعلم أنَّ هذا الكلام فيه بحوثٌ كثيرة ليس هذا موضعَ تحقيقها