جميع الأعصار والأمصار إلا من سلك سبيلَهم فإنَّ هؤلاء لم يُعرِّجوا على هذا الكلام ولم يلتفتوا إليه ولم يستدلّوا في شيٍء من كلامهم وكتبهم بمثل هذا الدليل ولو ذكر ذلكَ أحدٌ لتَجافَوْه وطعنوا عليه ولم يلتفتوا إليه
وقول المصنف يقال في الخلافيات جوازُ الإرادة مما يوجب الإرادة
يعني به خلافيات أهلِ الجدل المُمَوَّه وإلا فالخلافيات المشهورة عند كلِّ الطوائف لا يلتفتون فيها إلى هذا الكلام
ونحن نذكرُ ما احتجُّوا به على هذه القاعدة ونُبيِّنُ تزييفَه ثم ندلّ على فسادها وقد احتجَّ لها هذا المصنِّف بشيئين
أحدهما أنه دار ظنُّ الإرادة مع جواز الإرادة وجودًا وعدمًا أما وجودًا ففي المواضع التي أريدت في ظنَّنا إرادتها وهى جائزةُ الإرادة مما لا تنحصر كثرةً وأما عدمًا ففي المواضع التي لم تَرِد ولم يُظَن إرادتها وهي غير جائزةِ الإرادةِ وذلك أيضًا مما لا ينحصر ودوران الأمر مع الشيءِ وجودًا وعدمًا يدلُّ على أنَّ المدارَ عليه الدائر
وهذا المسلك ليس بشيء لأنَّا لا نُسَلِّم دوران ظنّ الإرادة مع جواز الإرادة وجودًا وعدمًا لأن معنى الدوران أن يوجد الدائر في كلِّ صورة من صُوَر وجود المدار أو في كلِّ صورة تحقَّقْنا