كان التناقض في الأصل عبارةً عن الإثبات والنفي لأنه متى انحصر الأمرُ في قسمين فلابدَّ من إثبات أحدهما ونفي الآخر كما يُقال العددُ إما شفع وإما وتر والماءُ إمَّا طاهر وإمَّا نجس والعباداتُ والعقودُ إمَّا صحيحة وإما فاسدة أو باطلة وهذا بالفعل إمَّا حلالٌ وإمَّا حرام والخبر إمَّا صدق وإما كَذِب وهذا إمَّا موجودٌ أو معدوم وأمثلته كثيرة
فنقول لكنَّه طاهر فليس بنجس أو لكنه نجس فليس بطاهر أو لكنه ليس بطاهر فهو نجس أو لكنه ليس بنجسٍ فهو طاهر
وإن صُغْتَه بصيغة الحمل والإخبار قلتَ الطهارةُ والنجاسةُ لا ترتفعان ولا تجتمعان أو تقول الطهارةُ والنجاسةُ حاصران أو لازمان متنافيان ونحو ذلك من العبارات
وإن تنافيا وجودًا فقط أو عَدَمًا فهو الذي يقال له الشَّرْطيُّ المنفصلُ الذي ليس بحقيقيِّ الانفصال
ثمُ ما تنافَى وجودُهما فهو الذي يقال له مانع الجمع ويُعَبِّر عنه في المعنى بالضدَّيْن واستثناءُ عين أحدهما يُنْتج نقيضَ الآخر فأما استثناءُ نقيِضه فعقيمٌ من هذه الجهة فإن وجود أحدِهما مستلزمٌ لعدمِ الآخر وهذا إنَّما يُستعمل في موضعٍ يكون المقصودُ نفي اجتماع الشيئين والاستدلال بوجود أحدِهما على عدمِ الآخر وكلامُ المصنِّف