وهذه الطريقة التي اصطلح عليها عامَّةُ المتأخرين من الجدليين في عامة الأمصار ولا شكَّ أنها أقرب إلى طريقة الأوَّلين من السلف فإنهم لم يكونوا يُحَرِّرُون العبارات الطويلة الجامعة بين الأصل والفرع وإنما يذكرون الجوامع والفوارق مُنَبِّهين على مآخِذ الأحكام ومشيرين إلى مدارك الشريعة

وهي أيضًا أقربُ إلى طريق النظر والاجتهاد فإن المستدلَّ بينَه وبين نفسِه لا يحتاج إلى النظر في الأشياء الخارجة عن المقصودِ الخاصِّ بتلك المسألة لكن آفةُ هذه الطريقة الاستدلالُ على عِلِّية المشترك بمجرَّد ما يدَّعِيْه من المناسبة العامة والدوران العام كما يفعلُه هؤلاءِ أربابُ الجدلِ المُحْدَث وأن هذا لا يُقْبَل حتى يُبَيِّن أن الشارع يعتبر مثل ذلك المناسب بِعَينه في غير الأصل المقيس عليه فإن أقرَّ أنَّ الحُكْمَ به في الأصل يعارضه تخلُّفُ الحكم عنه في صورةِ النَّقْض فليس أن يكون علة للمقارنة في صورةٍ أخرى فإنَّ عدم الاقتران يدلُّ على عدم التأثير أبلغ من دلالة الاقتران على التأثير فلابُدَّ حينئذٍ من تحقيق المناسب ولا يُكْتَفَى ممن يدَّعي المناسبةَ مجرَّدُ ذِكْر صفة عامة تختلف في الحكم لمراتٍ متعددة

وأما الدوران فأبعد وأبعد فإنَّ الحكم لم يَدُر مع الوصف في جميع الصور غير صورة النزاع ليستدل بكونه مَدَارًا في تلك المواضع

طور بواسطة نورين ميديا © 2015