فكذلك قيل هو اختلافٌ في التَّعْبير وأمَّا الاصطلاح فمن قال بالأول كلَّفَ المستدلَّ أن يحترِزَ في كلامه عن جميع الصور التي يتخلَّف الحكم فيها بحيثُ لو لأوْرَد صورةً واحدةً قد تخلَّفَ الحكمُ فيها لوجودِ مانعٍ ونحوه عُدَّ منقطعًا وهؤلاء لا يقبلون الجواب عن النقض بالفرق ولا شكَّ أن هذا وإن كان يضمُّ الكلامَ لكان فيه تطويل عظيم في العبارة وتضييع لمطلع النظر الذي هو مأْخَذ المسألة وتفريق للذِّهن بالاحتراز عن أمورٍ ليس تحتها فقه وكثير من أهل هذه الطريقة من يقنع من المستدلّ بوصفٍ مطَّرِدٍ لا يَرِدُ عليه نقضٌ وإن لم يُقِم دليلاً على صحته ولا شكَّ أن من قَنِع بالطَّرْد المحض فإنه لابد أن يمَكِّن المعترض من الاعتراض بالنقض ولابدَّ أن يجعل النقض دليلاً على البطلان وإلا لوضع كلُّ أحدٍ له مذهبًا من غير دليل وهذه الطريقة كانت هي الغالب على العراقيين وكثير من الخراسانيين في حدود المائة الرابعة وقبلها وبعدها
ومن قال بالثاني لم يكلِّف المستدلَّ الاحتراز عن صورة النقض لكن يكَلِّفه بيان الفرق في صورة النقض بين الفرع وغيره من صور وجود الحكم ومتى لم يُفَرِّق انقطع وهؤلاء لا يطالبون المستدلَّ بالطَّرْد لكن يطالبونه بما يدل على تأثير العِلَّة وصحتها ويبقى النظرُ في الجوامع والفوراق وأنها أحقّ بالاعتبار