والثاني أن يُعلَم أن الشيء حكمته ومصلحته في نفس الأمر وفي نظر الشرع لأن اعتقاد كون الشيء حكمةً ومصلحة بمنزلة اعتقاد كون الفعل حلالاً وحرامًا وواجبًا إذ لا فرقَ بين هذا الفعل حرامٌ إذا فعله الفاعل تعرَّض للعقاب وحَسَنٌ إذا فعلَه حصَل له ثواب وبين قولنا هذا الأمر مصلحة ومنفعة للخلق في دنياهم وآخرتهم أو هذا الأمر مفسدةٌ ومضرةٌ على الخلق في دنياهم وآخرتهم وإلاّ فكم من يعتقد المصالح مفاسدَ والمضارَّ منافع ويسمون هذا المعنى التأثير فيقولون هذا المعنى فيه الوصف الذي أوجبَ اشتمالَ الحكم على تلك المصلحة وهذا أمر مهمٌّ لابدّ من الاعتناء به بل الاعتناء به أوكد من الأول فإن الشيء إذا عُلِم أن جنسَه مصلحة بالشرع فلا تضرُّ شهادةُ أصل معين له بالاعتبار أما حكمٌ جاءَ به الشرعُ فقلنا إنه إنما حكم به لكَيْتَ وكيتَ لاعتقادنا أن ذلك الأمر مصلحة وانه لا مصلحةَ فيه إلاّ ذلك فهذا خطرٌ عظيم وهو الصَّفا الزلاَّل
ومن جرأةِ كثير من الجدليين أنهم يقولون هذا حكمة ومصلحة في نظر العقلاء أو في عُرف الناس ويكتفون بذلك في تقرير مناسبة الوصف وهم يعلمون أن أكثر الحكام الشرعية مما تقصر العقولُ الكاملة عن درك حِكَمِها ومصالحِها وان أكثر الناس أو كلّ الناس لا يعلمون ما هو الحكمة والمصلحة والمنفعة لهم في أمر الدنيا والآخرة فكيف يُستشهد على حكم أحكم الحاكمين لمجرد قول بعض الناس