ومنها: قوله - صلى الله عليه وسلم -: (لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه) وهو حديث حسن بمجموع طرقه، فالوضوء فعل منفي فنحمل النفي على الوجود، لكن هذا الحمل متعذر؛ لأنه قد يوجد الوضوء بلا تسمية، فإذا تعذر ذلك فنحمله على نفي الصحة، وهنا اختلفت كلمة العلماء اختلافًا قويًا، وقد ذكرنا خلافهم في غير هذا الموضع، والصحيح أن نفي الصحة أيضًا متعذر؛ لأنه مصروف عن حقيقته إلى الندب؛ لأن كل من وصفوا وضوءه - صلى الله عليه وسلم - ونقلوه إلى الأمة ليعلموهم لم يذكروا أنه كان يبدأ بالبسملة كأبي هريرة وعثمان وعلي وعبد الله بن زيد والربيع بنت معوذ وغيرهم لم يثبت عن أحدٍ منهم أنه قال ذلك مع أنهم في مقام التعليم، فدل ذلك على أنهم لم يحفظوها من النبي - صلى الله عليه وسلم -، ويؤيد ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم -: (إنها لا تتم صلاة أحدكم حتى يسبغ الوضوء كما أمره الله تعالى) أي في آية المائدة، وليس فيها ذكر البسملة لا تصريحًا ولا تضمنًا وغير ذلك من الأدلة فالجمع بينها وبين حديث أبي هريرة - إذا قلنا إنه حسن - هو أن نقول إن البسملة على الوضوء سنة فإذا ثبت أنها سنة فلا يكون النفي في قوله: (لا وضوء) منصبًا على نفي الصحة، وإنما يكون لنفي الكمال أي لا وضوء كاملاً، والله أعلم.
ومنها: قوله - صلى الله عليه وسلم -: (لا صلاة لمن لا يقيم صلبه من الركوع والسجود) فهنا الصلاة منفية بـ (لا) النافية إذا لم يقم المصلي صلبه من الركوع والسجود فينصب النفي على نفي الوجود، لكن هذا لا يمكن؛ لأنه قد يصلي الإنسان ولا يقيم صلبه من الركوع والسجود، فإذا تعذر ذلك فنحمل النفي على نفي الصحة وهو الصحيح فنقول: أي لا صلاة صحيحة لمن لا يقيم صلبه في الركوع والسجود، ويدل على ذلك حديث أبي هريرة في قصة المسيء صلاته؛ ولأن الطمأنينة ركن في الصلاة، فالمنفي هنا هو الصحة لا الكمال، والله أعلم.