ومنها: قوله - صلى الله عليه وسلم -: (لا دين لمن لا أمانة له) الحديث، فهنا نفى النبي - صلى الله عليه وسلم - الدين بـ (لا) النافية فيحمل على نفي الوجود وهو متعذر؛ لأنه موجود، فلما تعذر ذلك حملناه على الصحة أي أنه دينه ليس بصحيح، لكن هذا متعذر أيضًا لإجماع من أهل السنة على أن الخائن الذي ليس عنده أمانة أنه من أهل الدين ولا يخرج عن مسمى الدين بمجرد ذلك فإذا تعذر حمله على نفي الصحة فنحمله إذًا على نفي الكمال فنقول: لا دين كاملاً إلا بأمانة، أما الذي ليس عنده أمانة فإن دينه ناقص، وفي بعض الروايات: (لا إيمان) ويقال فيها ما قيل في قوله: (لا دين) ، والله أعلم.
ومنها: قوله: (لا عمل إلا بنية) والمنفي هو الصحة أي لا عمل يقع صحيحًا إلا بالنية، والفروع كثيرة لكن المقصود الإشارة، والله تعالى أعلى وأعلم.
وبهذه القاعدة ينتهي ما أردت إثباته من جملة هذه القواعد المفيدة العظيمة، والله أسأل أن ينفع به مؤلفه وقارئه ومدرسه وسامعه، والوصية لمن انتفع بشيء منه إن كان قد وجد ما ينفعه فيه، أن يدعو لمؤلفه فإنه من أفقر عباد الله إلى الله، ومن أحوجهم لرحمة الله لما يعلمه من نفسه من الوقوع في الزلل والخطأ. وإن وجدت عيبًا فبادر بإصلاحه وبتوجيهي فإن الإنسان قوي بإخوانه ضعيف بنفسه والعذر ثم العذر مما تراه عينك من مجانبة الصواب ومخالفة الدليل، فإن هذا جهد مقصر هو فيه عالة على غيره.
وإني حرصت كل الحرص على إيصال ما عندي إليك بما يَسَّرَهُ الله تعالى لي من التوضيح والتسهيل، وأستغفر الله وأتوب إليه من الزلل، وأبرأ من الحول والقوة، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
والله أعلى وأعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
وقد فرغت منه عام عشرين وأربعمائة وألف من هجرة المصطفى
على صاحبها أفضل الصلاة والسلام والله يتولانا وإخواننا ويوفقنا لما فيه الخير