ومن ذلك أيضًا: حديث عدي بن حاتم - رضي الله عنه - وأنه سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن صيد الكلب فقال له - صلى الله عليه وسلم -: (إذا أرسلت كلبك المعلم وذكرت اسم الله عليه فكل وإن أكل منه فلا تأكل فإنما صاد لنفسه وإن وجدت معه كلبًا آخر فلا تأكل فإنما سميت على كلبك) ووجه الاستشهاد منه أن صيد الكلب المعلم حلال إلا في حالتين: الأولى: إن أكل منه فالصيد الذي صاده الكلب فأكل منه قد اجتمع فيه سببان محلل ومحرم فأما المحلل فهو صيد كلبٍ معلمٍ أرسله صاحبه وسمى عليه عند الإرسال، فهذا التعليل يفيد أن ما صاده حلال، وأما المحرم فلأنه أكل منه؛ لأن أكله حينئذٍ قرينة قوية أنه إنما اصطاد لنفسه لا لصاحبه، وهذا التعليل يفيد المنع منه، فهذا الصيد تجاذبه السببان المحرم والمبيح، فغلب النبي - صلى الله عليه وسلم - السبب المحرم؛ لأنه إذا اجتمع الحلال والحرام غلبنا جانب الحرام؛ ولأنه أبرأ للذمة.
الثانية: صيد الكلب إذا وجد معه كلب آخر فإنه قد اجتمع فيه سببان محلل ومحرم فأما السبب المحلل فهو عين السبب السابق في الحالة الأولى، وأما المحرم فلأنه وجد معه كلب آخر وأنت إنما سميت على كلبك ولم تُسَمِّ على الآخر، ولا ندري لعله شاركه في الصيد، وصيد أحدهما حلال لكمال الشروط وصيد الآخر حرام لعدم توفر التسمية، فلما اجتمع المحلل والمحرم غلب النبي - صلى الله عليه وسلم - جانب السبب المحرم فقال: (فلا تأكل) وهذا أصل في هذه القاعدة.