ومن ذلك: أن أسامة بن زيد قتل رجلاً من المشركين بعد أن قال: لا إله إلا الله، مع أن هذا الرجل كان شديد البأس على المسلمين فكان لا يدع شاذة ولا فاذة إلا اتبعها بسيفه يضربها، وأن أسامة حمل عليه بالسيف فلما رأى السيف قال: لا إله إلا الله، فقتله فجاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد أخبر الخبر فقال: (أقتلته بعد أن قال لا إله إلا الله) . فقال أسامة: يا رسول الله إنما قالها خوفًا من السلاح ... فقال له: (كيف تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة) والحديث متفق عليه. فالرجل الذي قتله أسامة - رضي الله عنه - قد اجتمع فيه سببان مبيح لقتله ومحرم لقتله فأما المبيح فلأنه من المشركين وحربي وقد فعل في المسلمين الأفاعيل العظيمة، فكل ذلك يفيد إباحة قتله، وأما المحرم فلأنه قال: لا إله إلا الله، فإن من قالها وجب الكف عن دمه وماله؛ لأنها تعصم الدم والمال كما في الأحاديث الصحيحة، فلما اجتمع في هذا الرجل سبب مبيح لقتله وسبب مانع منه غلب النبي - صلى الله عليه وسلم - السبب المحرم لدمه وأنكر على حبه وابن حبه أسامة - رضي الله عنه -، وأخبره أنه كان الواجب عليه أن يكف عنه ويدعه وذلك تغليبًا للسبب المحرم لدمه وماله وأن يكل سريرته إلى الله تعالى.