ومن الأدلة: حديث النعمان بن بشير - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إن الحلال بَيِّن والحرام بَيِّن وبينهما أمور مشتبهات فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه) متفق عليه، فهذه الأعيان التي توارد عليها سبب يبيحها وسبب يحرمها هي من الشبهات التي لا يتضح حلها ولا تتضح حرمتها، بل فيها مادتان فهي إذًا من جملة الشبهات، وقد ندبنا النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى اتقائها أي اجتنابها والتباعد عنها؛ لأن هذا أسلم للمرء في دينه وعرضه، ولا يمكن اتقاؤها إلا إذا غلبنا السبب المانع منها أو المحرم لها.
ومن ذلك: قوله - صلى الله عليه وسلم -: (دع ما يريبك إلى ما لا يريبك) والريب هنا بمعنى الشك والتردد، وهذا الحديث أصل في الورع، ومعناه: اترك ما فيه شك من الأفعال إلى ما لاشك فيه منها، والأشياء التي فيها محلل ومحرم هي من الأشياء التي تتردد النفس في فعلها من عدمه ويبقى الإنسان شاكًا في حلها وحرمتها، فحينئذٍ تكون من الأشياء المريبة فإذا تحقق ذلك فيها فقد أمرنا أن ندعها إلى ما لا ريب فيه ولا تردد، ولا يكون ذلك إلا إذا غلبنا جانبها المحرم لها، فنتركها تورعًا وتنزهًا وهذا كما ذكرت أصل في الورع، ويروى عن زيد بن ثابت أنه قال: (ما شيء أسهل من الورع إذا رابك شيء فدعه) .