القاعدة الخامسة والخمسون
وهذا من باب الاحتياط وبراءة الذمة؛ ولأن في تغليب جانب الحرمة درء مفسدة، وفي تأخير المبيح تعطيل مصلحة ودرء المفاسد مقدم على جلب المصالح، وهي فرع من قاعدة: (درء المفاسد مقدم على جلب المصالح) فإذا تحقق في عين من الأعيان سببان، أما أحدهما فإنه يدل على إباحتها وجواز الانتفاع بها والآخر يمنع منها، فإننا نتوقف حينئذٍ عنها حتى يزول هذا الاشتباه، ولا ينبغي لنا الإقدامُ عليها ما دامت كذلك تغليبًا لجانب الحظر، وقد دل على هذه القاعدة أدلة من القرآن والسنة.
فأما القرآن: فقوله تعالى: {وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} فآلهة المشركين تجاذبها سببان: أما أحدهما فيبيح سبها وهي لأنها اتخذت آلهة مع الله وفي سبها إغاظة للمشركين وإهانة لهم وتحقيرٌ لها ولعابديها، فهذا سبب يبيح سبها لكن هناك سبب يمنع من سبها وهو أن سبها يؤدي إلى أن يسب أصحابها ربنا جل وعلا وحينئذٍ فسب الآلهة فيه سبب يبيحه وسبب يحرمه فغلب جانب التحريم إذا علمنا أن سبها عند قوم يقودهم إلى سب الله؛ ولأن درء المفسدة مقدم على جلب المصلحة؛ ولأن هذا من باب سد الذرائع المفضية إلى ما هو أشد منها مفسدة.