ومن الأدلة أيضًا: أن السنة الفعلية المطردة التي دلت عليها الأدلة الشرعية أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يكن يدفن في القبر أكثر من واحد إلا لعذر ككثرة الموتى وقلة من يدفنهم، وأما مع عدم العذر فلم يزد على واحدٍ في كل قبرٍ، وحرمت الشريعة القعود على القبر والوطء عليه ونبشه وإخراج الميت منه، كل ذلك لأن هذه البقعة من الأرض التي هي القبر صارت حقًا لهذا الميت؛ لأنه سبق إليها ومن سبق إلى مباحٍ فهو أحق به.
ومن الأدلة على ذلك: أن الأدلة دلت على أن البيعة العظمى لا تصلح إلا لواحدٍ فإمام المسلمين لا يكون إلا واحدًا وطرق الوصول إليها ثلاثة: إما بالاستخلاف كما استخلف أبو بكرٍ عمر رضي الله عنهما، وإما بالاختيار كما حصل في أهل الشورى الستة واختيارهم عثمان - رضي الله عنهم -، وكما اختار المسلمون أبا بكرٍ الصديق - رضي الله عنه - استنادًا على نصوص مسلمة ومشيرة إلى خلافته، وإما أن يظهر على المسلمين بسيفه وعتاده ويتغلب عليهم ويقهرهم بسلاحه ويستتب الأمر له فإذا تمت البيعة لواحدٍ ثم نازعه فيها غيره فإن الواجب هو قتل هذا الآخر إن لم يندفع إلا بالقتل لما ورد في الحديث: (فاقتلوا الآخر منهما) وقال - صلى الله عليه وسلم -: (من خرج عليكم وأمركم جميعًا على رجلٍ واحدٍ يريد أن يشق عصاكم ويفرق جماعتكم فاقتلوه) ، ووجه الشاهد من ذلك أن الخليفة الأول لما استقر له أمر البيعة لسبقه إليها بأحد الطرق الثلاث السابقة فإنه يكون أحق بها من غيره؛ لأن من سبق إلى مباحٍ فهو أحق به، فلا تجوز منازعته في حقه هذا مادامت البيعة له.