ومن ذلك: قوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث أبي هريرة عند مسلم: (لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا) فدل ذلك على أن من سبق منهم إليه فهو أحق به، وإذا تنازعوا واشتجروا لمجيئهم في وقت واحد وكلهم يريد النداء أو الصف الأول فإنهم يستهمون عليهما فمن سبق إليهما بالاستهام فهو أحق بهما من غيره.
فهذه الأدلة تدل دلالة واضحة على أن المباحات تملك بالسبق لها وبحيازتها أو الجلوس فيها أو إحيائها قبل غيره.
ولعل ما مضى من الفروع مع تقييد الأدلة فيه كفاية - إن شاء الله تعالى -، والله أعلم.
القاعدة الحادية والخمسون
وقد تكلمنا عنها في قاعدة البينة على المدعي واليمين على من أنكر، وأفردتها بالذكر لأهميتها؛ ولأنه قد يفهم البعض أن اليمين دائمًا تكون في جانب المدعى عليه، وهذا ليس على إطلاقه، فتأتي هذه لتبين أن اليمين إنما جعلت في جانب المدعى عليه؛ لأنه أقوى المتداعيين، أي أن المدعي إذا لم يأت بالبينة التي تثبت دعواه فإنه يطلب من المدعى عليه أن يحلف، ذلك لأن جانبه قوي. وقوة الجانب نستفيدها من أمور:
منها: البقاء على الأصل فإن الأصل براءة الذمة من الحقوق فالمدعي يدعي خلاف الأصل فجانبه ضعيف لمخالفته للأصل، والمدعى عليه جار على الأصل فجانبه قوي لموافقته للأصل.
ومنها: نكول المدعى عليه عن اليمين بمعنى أن المدعى عليه إذا طلب منه أن يحلف ثم رفض وقال لا أحلف، فإنه على القول الصحيح تتوجه اليمين للمدعي، ذلك لأن رفض المدعى عليه لليمين قرينة قوية لصدق دعوى المدعي، فهذا النكول جعل جانب المدعى قويًا فلما قوي جانبه طلب منه اليمين؛ لأن اليمين في جانب أقوى المتداعيين.