ومن الأدلة: ما رواه ابن ماجه بسندٍ فيه ضعف عن عبد الله بن مغفل أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (من حفر بئرًا فله أربعون ذراعًا عطنًا لماشيته) فقضى النبي - صلى الله عليه وسلم - بأن هذا الرجل بحفره لهذه البئر قد تملك أربعين ذراعًا مما حول البئر تكون عطنًا لدوابه، فيكون تملكها؛ لأنه سبق إلى إحيائها بهذا البئر فهو أحق بها وقسنا على ذلك سائر المباحات.
ومن الأدلة أيضًا: قوله - صلى الله عليه وسلم -: (من قتل قتيلاً له عليه بينة فله سلبه) والسلب بفتحتين ما مع المقتول من سلاحٍ ومالٍ وثيابٍ ونحوه، فالذي يسبق إلى الحربي فيقتله - أعني في المعركة - فإنه أحق بسلبه؛ لأن دم الحربي وماله مباحان، فمن سبق إلى هذا المباح فهو أحق به، فقسنا عليه سائر المباحات.
ومن الأدلة أيضًا: قوله - صلى الله عليه وسلم -: (ولا يخطب المسلم على خطبة أخيه) وهو في الصحيح ووجه الشاهد منه أن المرأة التي لا زوج لها مباحة للخطاب، فمن سبق إلى هذا المباح وهو خطبتها فيكون هو أحق بها، ولا يجوز لأحدٍ أن ينازعه فيه مادام عازمًا على الاستمرار في ذلك وقد رضوا به وقبلوه، فإن تعدى أحد على حقه وتجرأ على اقتحام نهي النبي - صلى الله عليه وسلم - فإنه يبوء بالإثم ولاشك، لكن ذهب الجمهور إلى صحة العقد الثاني مع الإثم، وأما الشيخ تقي الدين فإنه اختار أن العقد الثاني فاسد، وأنها تنزع منه وترد للأول والمهم أن تعلم أن الخاطب الأول لما كان أسبق من الثاني بتحصيل هذا المباح الذي هو خطبة هذه المرأة كان أحق بها، مما يدل على أن من سبق إلى مباح فهو أحق به.