وأما النظري فلأن تكليف من لا يفهم الخطاب تكليف بما لا يطاق وهو منتفٍ شرعًا ولعدم وجود قصد الامتثال منهما فاجتمع هؤلاء في أنهم لا يفهمون الخطاب لكن عدم الفهم في هؤلاء مختلف فالصبي والمجنون لا يدركان معنى كلام الشرع، أما الصبي فبالأصالة؛ لأن عقله الذي يفهم به الخطاب لم يكمل بحيث يقوى على الإدراك، وأما المجنون فبعارضٍ قوي قهري وهو الجنون، وأما النائم فلعارض طبيعي وهو النوم، قاله الطوفي في شرح مختصر الروضة.

الشرط الثالث: الاختيار: وهو أن يفعل المأمور ويترك المنهي اختيارًا منه، فإذا ترك المأمور وفعل المنهي عنه بإكراه فإنه لا يأثم لأنه غير مكلف، والدليل على ذلك أثري ونظري، فأما الأثري فقوله تعالى {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إيمَانِهِ إلا مَنْ أكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ} فرخص الله جل وعلا قول كلمة الكفر وفعله مع اطمئنان القلب بسبب الإكراه، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (عُفي عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه) ،

وأما النظري فلأن المكرَه – بفتح الراء – صار كالآلة في يد المكرِه – بكسر الراء – فلا ينسب إليه فعل، وشرط العقوبة أن يقدم الإنسان على المعصية وهو مختار لها؛ لأنه حينئذ يستحق العقاب، لكن إذا صار كالآلة في يد غيره فلا يستحق حينئذٍ العقاب،؛ ولأنه يقدم على الفعل وهو لا يريده ولم يقصده، وإنما فعل بدافع الإكراه فقط.

واعلم أن الإكراه نوعان: إكراه ملجئ وهو الذي لا يبقي للإنسان قدره ولا اختيار فهذا مسقط للتكليف في قول عامة أهل العلم.

وإكراه غير ملجئ وهو الذي يبقى للإنسان نوع نظر واختيار، وعموم الأدلة يدل على أنه داخل في إسقاط التكليف فإن الأدلة لم تفرق بين إكراه وإكراه وترك الاستفصال في مقام الاحتمال يجرى مجرى العموم في المقال.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015