الأول: العقل: وضده الجنون، فيشترط في المكلف أن يكون عاقلاً وذلك للدليل الأثري والنظري. فأما الأثري فقوله - صلى الله عليه وسلم -: (رفع القلم عن ثلاثة) وذكر منهم: (وعن المجنون حتى يفيق) فقلم التكليف مرفوع عن المجنون لانعدام شرط التكليف الذي هو العقل. وأما النظري فلأن الشريعة إنما جاءت بامتثال المأمور وترك المحظور، والامتثال هو قصد الطاعة بذلك تحقيقًا لامتحان المكلف كما قال سبحانه: {لِيَبْلُوَكُمْ أيُّكُمْ أحْسَنُ عَمَلا} وشرط كون الامتثال طاعة قصدها لله تعالى رغبة ورهبة فيما عنده من الوعد والوعيد فهذا القصد هو المصحح لكون الامتثال طاعة وهو مفقود في المجنون؛ لأنه لا يتصور منه ذلك الامتثال الذي هو قصد الطاعة، فانتفت فيه حكمة التشريع فلم يعد إيجابه عليه مناسبًا لانعدام الحكمة منه وهذا واضح.
الشرط الثاني: فهم الخطاب: ويعني أن يفهم المكلف خطاب التكليف بأمرٍ أو نهي فالذي لا يفهم الخطاب لا تكليف عليه، ولا يلزم من كونه لا يفهم الخطاب أن يكون لا عقل له، بل فهم الخطاب مرتبة زائدة على مجرد العقل، لكن لا يلزم من وجود العقل فهم الخطاب كما سيأتي في الفروع - إن شاء الله تعالى -، والدليل على هذا الشرط أثري ونظري، فأما الأثري فلحديث: (رفع القلم عن ثلاثة عن الصغير حتى يبلغ، وعن النائم حتى يستيقظ …) فالقلم مرفوع عن هؤلاء ليس لأنهم مجانين لا عقول لهم أصلاً، بل لهم عقول لكنهم في حالة لا يفهمون معها الخطاب، فالنائم لا يفهم قوله تعالى: {وَأقِيمُوا الصَّلاةَ} ونحوه وكذلك الصغير لا يفهم ذلك، فسقط عنهم التكليف؛ لأنهم لا يفهمون الخطاب.