إذا علمت هذا فاعلم أنه لا يثبت التكليف إلا إذا توفرت هذه الشروط جميعها فإذا اختل شرط منها فلا تكليف، لكن يلزمنا أن نفرق بين أمرين متشابهين:

الأول: الحكم التكليفي. الثاني: الحكم الوضعي، فهذه القاعدة إنما تسقط الأول ولا تعلق لها بالثاني. فالأحكام الوضعية ثابتة ولو على غير المكلف كالمجنون والصغير والبهيمة ونحوها؛ لأنها من باب ربط الأشياء بأسبابها. إذا علمت هذا فدونك هذه المسائل المهمة في هذا الباب لتعرف أحكامها وتفاصيلها فأقول:

المسألة الأولى: هل الغضبان مكلف أم لا؟

الجواب: فيه خلاف عريض، والذي يتوافق مع الأدلة هو أن يقال: إن الغضب أقسام ثلاثة: الأول: غضب لا يغلق على الإنسان عقله واستقامة تفكيره، ويدري ما يقول فهذا طلاقه وعتاقه وجميع تصرفاته معتبرة بالإجماع؛ لأنه داخل في التكليف لعقله وفهمه للخطاب. الثاني: غضب يغلق على الإنسان عقله الكامل لكنه يدري ما يقول ويفعل فهذا أيضًا طلاقه وعتاقه وتصرفاته معتبرة على الصحيح؛ لأن عقله باقٍ وليس فيه إلا مطلق الإغلاق فقط. الثالث: غضب يغلق على الإنسان عقله الغلق المطلق بحيث لا يدري ما يقول ولا ما يفعل، بل بعضهم يصيبه الإغماء وبعضهم تنتفخ أوداجه انتفاخًا واضحًا فيكون كالوحش الكاسر، فهذا لاشك أنه لا يقع طلاقه وعتاقه وتصرفاته لا تعتبر؛ لأنه فاقد لمناط التكليف الذي هو العقل، فهو وإن كان موجودًا لكنه مغلق أي أن هذا الغضب أغلق على عقله الذي هو مناط التكليف فصار وجوده كعدمه.

ولقوله - صلى الله عليه وسلم -: (لا طلاق ولا عتاق في إغلاق) واختار هذا القول الشيخ تقي الدين وتلميذه ابن القيم وهو المفتى به عندنا في بلادنا.

المسألة الثانية: السكران هل هو مكلف أم لا؟

طور بواسطة نورين ميديا © 2015