المحتاج بالتمليك ليدفع به إذا ملك ما شاء من وجوه حاجته، ولم يتأدى بالغنى الذي لا حاجة به، ولا بغير المال الذي لا يدفع حاجة الفقير.
ولما شرعت للإغناء عن الفقر لم يكن الفقير أهلاً لوجوبها عليه فتصير مشروعة لأحواجه بخلاف الكفارة فإنها شرعت للتكفير عن ارتكاب المحظور بدليل أنها تتأدى بالصوم الصالح للتكفير، وإن لم يصلح للإغناء ولكن الإغناء صالح للتكفير لأنه عبادة أيضاً يصلح للتكفير فيصير الإغناء آلة للتكفير لا أن تكون الكفارة شرعت للإغناء فلذلك لم نشترط الغنى بالمال لوجوب الكفارة، بل جعلها الشرط من يصلح لثواب العبادة، فالتكفير يقع بالثواب.
ولما ثبت بالدليل أن الغنى بالمال شرط للوجوب لم يشترط للأداء بل يشترط للأداء نفس المكنة، والزيادة لا تثبت إلا رحمة بدليل زائد فإذا تمكن من الأداء تقرر الوجوب ولم يشترط دوامها لبقاء الواجب لما ذكرنا.
وكذلك قيام كمال النصاب شرط للوجوب عند الحول ويبقى بعض الواجب بعد هلاك بعض النصاب بعد الحول، لأن الكمال شرط للوجوب لا شرط للأداء لما ذكرنا أن الغنى شرط لوجوب الصدقة فأكد الشرع هذا الشرط في باب الزكاة، ولم يجعل الغنى أهلاً لوجوب الزكاة إلا إذا غني بالمال الذي جعل سببا لوجوب الزكاة، ولا يغنى به الغنى المحرم للصدقة لولا مال آخر إلا إذا كان نصاباً كاملاً.
والدليل عليه: أن أداء الواجب وهو ربع عشر النصاب لا يتيسر بكمال النصاب فإن انتقص أو كمل لم يؤد إلا ربع عشر ما عنده من المال النامي، ونحن شرطنا دوام الشرط الذي يتيسر به الأداء لا ما لا يتيسر به الأداء.
وكذلك الحج لا يجب إلا بشرط الاستطاعة بملك الزاد والرحلة ويبقى بدونها إذا فات بعد التمكن من الأداء لأن الشرط من الاستطاعة بقدر المكنة من السفر المعتاد بزاد وراحلة، لا بما يتيسر زيادة يسر على المعتاد من محمل وخدم ونحوها.
وقدر المكنة معتبر في حق الوقت بقدر التمكن من الأداء فيه على ما مر، ولا يلزم إذا استهلك المال، فإنه لو استهلك النصاب قبل الوجوب لم يجب.
ولو استهلك بعده لم يسقط لأنه إذا استهلك قبل أن يجب لم يضمن شيئاً لأن المال خالص له.
وإذا استهلك بعدما وجب صدق بعضه إلى الفقير ضمن مثل ما صار محلاً لزمه تمليكه وصرفه إلى الفقير، وهذا كعبد جنى جناية ولزم المولى دفعه فأعتقه قبل العلم به ضمن قيمته لأنه صار واجب الصرف إلى الولي، وإن لم يصر ملكاً له فضمن بالاستهلاك مثل الواجب بعينه فيكون قضاء لا أداء.