وكذلك إذا عين شاة ليضحي بها ثم استهلكها ضمن شاة أخرى مثلها، وإن كانت الأولى في ملكه لأنها تعينت لأداء الواجب منها، ولأنه بالاستهلاك يريد إسقاط ما عليه باختياره فيه فيصير متعدياً في حق الواجب فلم يعذر، وجعل كأنه لم يستهلك وإن كان الهلاك مسقطاً، ألا ترى أن الصائم إذا سافر لم يسقط عنه وجوب الصوب ولو مرض سقط، وهما سواء في الإسقاط قبل الشروع لأن السفر باختياره كان، ثم القضاء بالمثل يجب على ما مر، وإنما قصر على المثل لأنه يجب انتصافاً منه على تعديه بالتفويت، معنى الانتصاف يفوت بالزيادة على المعتدي والنقصان لصاحب الحق فوجب المثل ليكون عدلاً فمجازاة العدوان واجبة بالعدل، وإيجاب القضاء مجازة والعفو جائز فضلاً إن شاء صاحبه.
فإذا عرفنا هذا وجب قضاء الصلاة الفائتة بمثلها، لأن مثلها صلاة هي عبادة مشروعة في كل وقت فأمكن العبد قضاءها بالمثل.
وكذلك الصيام في الأيام والصدقة في كل مال.
وكذلك الحج في وقته والأضحية في أيامها فإذا عين واحدة واستهلكها ضمن مثلها.
وكذلك الرمي في أيامه في الحج فإذا لم يضح بها حتى مضت الأيام لزمه التصدق بها ولا يخرج بالتضحية وإن عاد الوقت في السنة القابلة لأن الشاة في الأصل محل التقرب إلى الله تعالى بالصدقة إما واجبة في باب الزكاة، وإما نذراً، وإما تطوعاً وبأيام النحر جعلت محلاً للتقرب بالتضحية قائمة مقام الصدقة مخصوصة بهذه الأيام لأنا أمرنا بها مقدمة على الصدقة، فإذا ذهبت الأيام وجب القضاء بالصدقة.
ألا ترى أنه لو جز صوفها حتى لم يمكن التقرب في حقه بالإراقة وجب التقرب بالصدقة لأن شرع الله تعالى التضحية مكان الصدقة دليل على ضرب مماثلة حتى صلحت للقيام مقام الصدقة.
ولما تعينت الصدقة لم تعد إلى المثل بعود الوقت، كمن استهلك رطباً فذهب أوانه وقضى عليه بالقيمة له لم يعد إلى الرطب بمجيء أوانه.
وكذلك الرمي في الحج إذا فات عن وقته قضى في أيامه لأنه مشروع عبادة في تلك الأيام وإذا ذهبت الأيام وجب الجبر بالشاة عيناً شرعاً فلا يعود الرمي، وإن عاد الوقت.
وأما إذا عجز عن قضاء الصوم بالصوم فالقياس أن لا يقضي بالمال لأنه غيره اسماً ومعنى ولكنا أوجبناه إذا أيس عن الصوم بالشرع بخلاف القياس.
وإذا عجز عن الحج بنفسه كان القياس أن لا يقضي بالإحجاج لأن الذي يؤديه بالإحجاج مال، وإنه غير الحج إلا أنا جوزنا بشرط اليأس عن الحج بالشرع.