ومن حكمه: أن الصوم لا يتأدى إلا في الوقت كله لأنه معيار لقدره فلا يتم بدونه، كما لا تتأدى الصلاة ما لم يتم بالأفعال التي نعقلها صلاة.
ومن حكمه: أن كينونة الصائم من أهل الوجوب شرط في جميع اليوم ليجب عليه الصوم لأنه لا يتصور شرعًا إلا في جميع اليوم ككينونة المصلي من أهل الوجوب عليه شرط في جميع أفعال الصلاة لكون صلاته واجبة، إلا أنا نأمره بالصوم لأول الوقت لأنه أهل للحال، وشككنا في تبدله فتبقى العبرة للحال، ولأنا لو انتظرنا آخر أمره لفاته الوقت، ولم يمكن الأداء، والله تعالى أمره بالأداء.
وقد اختلف علماؤنا بالمسافر إذا نوى صومًا غير صوم رمضان؟
قال أبو حنيفة رضي الله عنه: إن نوى صومًا واجبًا بنذر أو كفارة أو قضاء صحت نيته، وإن نوى نفلًا قال في رواية: يصح.
وقال في رواية: لا يصح.
وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله: صومه عن الفرض لأن الله تعالى رخص للمسافر الفطر في رمضان ولم يسقط عنه أصل الوجوب، بدلالة أنه إذا صام جاز ولو سقط الأصل وصار رمضان كشعبان لم يجز، وكذلك لو لم يكن أهلًا للوجوب في رمضان لم يلزمه بالإقامة نحو إن كان صبيًا فيه أو كافرًا ثم أسلم أو بلغ ثم أقام لم يلزمه شيء، فثبت أن رمضان بقي سببًا للوجوب ومحلًا للأداء، ولكن رخص له الفطر فإذا لم يترخص وصام التحق بالمقيم.
ولأبي حنيفة رضي الله عنه: أنه يصوم القضاء ما ترك الترخص بالفطر عن رمضان لأنه صرف الوقت إلى صوم هو ألزم فالقضاء عليه وإن لم يقم وصوم الشهر لا يلزمه ما لم يقم حتى إذا مات قبل إدراك العدة لم يؤاخذ به ويؤاخذ بالآخر، وإذا بقي مترخصًا تأخر الوجوب عن رمضان وبالوجوب انتفى سائره فلم ينتف وصح الأداء.
أو نقول: لما لم يبطل الترخص بقي لأدائه وقتان: رمضان وعدة من أيام أخر، فلا ينفي الفرض في أحدهما صومًا آخر في الآخر، كمن استأجر رجلًا ليخيط له هذا الثوب أو قميصًا بدرهم أمكن للخياط أن يخيط أحدهما تبرعًا والآخر بإجارة لأن المحل قد اتسع.
وأما إذا نوى المسافر النفل؟
فقال أبو حنيفة رحمه الله في رواية: صومه عما نوى لأن المحل متسع على ما قلنا بل الوجوب متأخر إلى حين الإقامة ما لم يجعله بقصد الفرض.
وفي رواية: يكون عن الفرض لأن صوم الشهر أهم من النفل لأنه يلزمه بعد الإقامة