خياطة أخرى وتبقى في الوقت إذا كان المعيار هو الوقت.
ومن حكمه: التأدي فيه بنية مطلق الصوم، لأن نية صفة الصوم لتعيين الصوم بوصفه الخاص عن سائر العبادات والأعمال، وإذا لم يكن في رمضان غير الفرض أصابه بمطلق الاسم الذي يعينه عن سائر العبادات والأعمال، ولهذا قال زفر رحمه الله: إنه يؤدي بغير نية لأنه متعين إلا أنا شرطنا النية لأن المتعين مشروع لله تعالى من فعل الصوم علينا، لا ما يؤدي العبد الواجب عليه به، فالواجب في الذمة، والعبد يؤديه بفعل مملوك له بجعله عمله لله تعالى، فيتأدى به الواجب كدراهم في الذمة يؤدي من عليه بدراهم له، فيتأدى به الواجب بعمله.
ولما لم يتناول الإيجاب عمله بقي له ولم يصر لله تعالى ما لم يجعله العبد له بخلاف من آجر نفسه لخياطة ثوب قميصًا فخاطه لا ينويها لصاحبه لأنه لما سلم إليه الثوب الذي أمره بتسليم العمل إليه بجعله صفة له، والصفة تابعة للموصوف تعين العمل للأمر بتعيين الموصوف له من غير قصد تعيين كمن آجر داره بدهم ثم قال للمستأجر: رم ما استرمت من الأجر الذي لي عليك، فرمها تعين ما أنفق فيها للآمر، لصيرورة المرمة صفة للدار المتعينة للآمر حسب التعين بالصرف إلى الآمر.
فأما هنا فالوقت معيار لأداء الصوم من غير أن يصير الصوم صفة له، فلا يتعين لله تعالى بتعين الوقت لله تعالى كرجل عليه دراهم فدفع صاحب المال إليه ميزانًا ليزنها فوزن به لم يتعين لصاحب الدين بتعين المعيار له، والوقت معيار يعرف به قدره لا غير، ولكنه إذا فعله لله تعالى كانت عبادة، وذلك بقصده كفعل الصلاة.
ومن حكمه: جواز الأداء بوجود النية في أكثر النهار، لأن الوقت لما صار معيارًا للمشروع وللأداء أيضًا، فلا يتصور إلا بالوقت كله لم يجز الأداء إلا من أول النهار إلى آخره، وأول النهار وقت لا يوقف عليه أصلًا، ولا يوقف عليه إلا بحرج عظيم، والله تعالى ما جعل في الدين من حرج فسقط اعتبار أوله وجعل مطلق الإمساك موقوفًا على أن ينقلب صومًا إذا وجدت النية بعده بحيث لا حرج فيه فمعنى الحرج يزول ببعض اليوم فصار عفوًا، وجوزنا بالنية بعد البعض والباقي بعد البعض الأكثر من النهار، كما قالوا جميعًا في النفل إلا أن الإمساك يقف على الصوم الذي هو أصل في الوقت شرعًا، فلا ينفذ بالنية إلا عليه فإن كان الوقت عينًا لفرض كرمضان ينافيه صوم غير الفرض فكان الوقت عليه. فنفذ عليه.
وإن كان غير رمضان فالأصل فيه النفل فوقف المطلق عليه فلا ينفذ على غيره.
ومن حكمه: أنه إذا نوى صومًا آخر كان عن الفرض لأن كونه صوماً بصفة أخرى غير مشروع فيلغو نية الوصف كما يلغو ليلًا أصل النية، وكما يلغو نية صفة الفرض في غير رمضان ولا فرض عليه فتبقى نية مطلق الصوم لأنه مشروع فيقع عن الفرض كما لو أطلق النية ابتداء.