قلنا: لا تضيق في حق تلك السنة، فإن الوقت لا يفوته إلا يوم عرفة بمنزلة وقت الصلاة.
ومن حكمه: أنه لا يسقط عن العبد إذا مات بعد التمكن من الأداء بعد الوجوب، لأن الفوت ثابت بمضي الوقت من أول السنة الأولى، وإنما يرتفع بإدراك وقت آخر من سنة أخرى فإذا مات ولم يدركه تحقق الفوت بما أخر عن السنة الأولى، والتفويت موجب ضمان القضاء لا السقوط، كما في الكفارات لا يبرأ عنها بالموت بعد المكنة، لما في الموت من التفويت.
ومن حكمه أيضًا: الإثم إذا مات، أما على قول أبي يوسف فلأن التأخير كان حرامًا.
وعلى قول محمد رحمه الله حل له بشرط ألا يصير مفوتًا وذلك برجاء الحياة وإدراك وقت آخر، وإذا مات صار مفوتًا فذهب شرط الإباحة فبقي حرامًا، والإباحات جائزة بشروط فيها حظر لأن العبد إن شاء لم يستبح بالحظر كما أبيح للرامي رمي الصيد بشرط أن لا يصيب مسلمًا أو مالًا محترمًا، وكان كمن أخر الصلاة بلا عذر على تأويل أن في باقي الوقت سعة حتى ذهب الوقت فإنه يأثم.
وأما حكم الوقت الذي هو معيار، وهو وقت الصوم على ما مر فحكمه أن لا يحل التأخير عن أوله لأنه لا يتأدى إلا في جميعه.
ومن حكمه: أن فرضه ينفي سائر الصيام عنه شرعًا، لأن الشرع إنما يشرع من العبادات ما يتصور منا فعلها، لأنها أسماء لأفعالنا تعظيمًا لله تعالى واليوم الواحد لا يتصور منا فيه إلا فعل صوم يوم واحد لأنه مقدر به ومعيار لوجوده لا يوجد ببعضه ولا في غيره، وإذا صار الذي يتصور شرعه فيه فعل صوم واحد وجعل بالشرع فرضًا لم يبق فيه غيره، وإن كان فعل الأداء في الذمة كأن الله تعالى يقول: جعلت ما يتصور من الصوم غدًا فرضًا لي بحق الوقت عليكم.
وكمن استأجر رجلًا ليخيط له هذا الثوب قميصًا بدرهم فخاطه الرجل يريد الإعانة كانت على الإجارة، وإن كان الإيجاب تناول فعلًا في الذمة لا منفعة وقت الأداء إلا أنه أوجب في ذمته خياطة ذلك الثوب قميصًا، وإنه لا يتصور فيه إلا خياطة واحدة، وإذا صارت واجبة بالإجارة لم يبق غيرها فيه خياطة أخرى منه.
بخلاف وقت الصلاة لأن الوقت ليس بمعيار لفعل الصلاة على ما مر بل هو شرط للأداء أو سبب، والشرط الواحد يصلح لصلوات وكذلك العلة ولهذا يجتمع فيه صلوات يؤديها جملة فانقلاب إحداها فرضًا لم ينف الأخرى كالرجل يؤاجر نفسه للخياطة قميصًا في يوم عيّنه يمكنه أن يخيط لغيره فيه بإجارة، وكذلك له في ثوب آخر لأن الوقت ليس بمعيار لعمله الذي سماه، إنما المعيار لعمله الذي سماه هو الثوب فلا ينفي فيه منه