ليس بسبب إلا أنها لما ألحقت بمؤنة اليوم كفاية للفقراء تكررت بتكرر اليوم، كما تكررت المؤنة على مثال تكرار الجزية بتكرر الحول لقيامها مقام النصرة وهي متكررة.
فإن قيل: أليس أنه لا يجب على من أسلم بعد الصبح بمضي السبب على المفر؟
قلنا: نعم فإن الرأس ليس بسبب للوجوب في وقت خاص وهو انفجار الصبح يوم الفطر فإذا لم يكن أهلاً للوجوب فيه لم يجب كما لا يجب الحج على المستطيع إذا كان كافراً أو صبياً في أشهر الحج كله لا فرق بينهما إلا أن ذلك وقت ممدود، وهذا وقت مقصور وإنما تضاف الصدقة إلى الفطر مجازاً لأنها تجب فيه لا لأنه سبب فطر بدليل ما ذكرنا، ولأن صدقة الفطر لا تجب بيوم الفطر عن رأس آخر غير رأسه ما لم يكن بالوصف الذي قلناه، وذلك الرأس لو جعل شرطاً والوقت سبباً لكان شرطاً من حيث يجب عليه وكان محل الوجوب، وقد قام لنا الدليل أنه لا يجب عليه فإنه يجب عندنا عن عبده الكافر والكافر لا يجب عليه عبادة، ولا صدقة، وإذا لم يكن الرأس شرطاً كان سبباً لا محالة لصفة غير الكفر، فإن الزكاة تجب عن عبده الكافر إذا كان للتجارة والوقت صالح للشرط كوقت الحج فجعل الوقت شرطاً والرأس سبباً.
فأما الكفارات: فأسبابها ما أضيفت إليه كالقتل خطأ واليمين والظهار والإفطار عن صوم رمضان، وكذلك الحدود كالزنا والسرقة والقذف وشرب الخمر والسكر.
وسبب وجوب الوضوء الصلاة: يقال إنه طهارة الصلاة ويسقط في نفسه متى سقطت الصلاة، ولكنه لا يجب إلا على المحدث كما لا يجب الحج إلا على المستطيع، والصوم إلا على المقيم، ولأن الوضوء شرط لإقامة الصلاة، والشروط لا تجب إلا لما علق صحته بها كالشهادة في النكاح واستقبال القبلة في الصلاة.
وقد ذكرنا سبب وجوب أصل الدين وسبب العبادات، وسبب العقوبات وهي الحدود وسبب الكفارات المترددة بين العبادة والعقوبة.
فأما سبب المعاملات وهو رابع الأسباب: فتعلق البقاء المقدور بتعاطيها.
وبيانه أن الله تعالى خلق هذا العالم وقدر بقاء جنسه إلى حين القيامة من طريق التناسل، ولا تناسل إلا بإتيان الذكور النساء في موضع الحرث فشرع الله تعالى له طريقاً يتأدى به ما قدر الله تعالى من غير أن يتصل به فساد وضياع، وهو طريق الازدواج بلا شركة في الوطء.
ففي الوطء على التغالب فساد.
وفي الشركة ضياع النسل فإن الأب متى اشتبه عليه الولد بقي على الأم وما بها قوة كسب الكفايات في أصل الجلبة.