يحكم بكفره بجهله بالله وغفلته عن الاستدلال بالآيات.
ويحكى عن أبي حنيفة رضي الله عنه أنه قال: لا عذر لأحد في الجهل بالخالق، لما يرى في العالم من آثار الخلق. ويحتمل أن يكون المراد به: بعد إمهال الله تعالى لا لابتداء العقل فقد حكينا عنهم أنهم عذروا الصبي بجهله، والتحديد بالبلوغ ثبت شرعاً فلا يلزم إلا بعد السماع.
فأما الذين قالوا: إن الله تعالى لا يعرف بدون الشرع فقد ذهبوا إلى أن الفقهاء أجمعوا على أن الأداء لا يجب إلا بعد خطاب الشرع.
ولو كان العقل حجة كافية لوجب قبل الشرع.
ولأنا نرى العقلاء مختلفين في إثبات القديم مع شدة تأملهم واشتهارهم بالحكمة، ولا نقف على أحد منهم إصابة ما تبين بالشرع، ولو كان بالعقل كفاية لما اختلفوا كما لم يختلف الأنبياء عليهم السلام ومن سلك طريقهم.
وأما الذين قالوا: إن الكفاية تقع بالعقل فذهبوا إلى أن إبراهيم صلوات الله عليه قال لأبيه: {إني أراك وقومك في ضلال مبين} ولم يقل أوحي إلي فثبت أن العقل بنفسه مما يهدى.
وكذلك الله تعالى أخبر عن إبراهيم أنه استدل بالنجوم فعرف ربه وكان حجة على قومه فقال: {وتلك حجتنا ءاتينا إبراهيم على قومه} وليس في الآية من باب الوحي ذكر، وقال: {سنريهم ءاياتتا في الأفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق} ولم يقل نسمعهم أو نوحي إليهم.
وقال: {ومن يدع مع الله إلهاً ءاخر لا برهان له به} الآية، ولم يقل: بعدما أوحي إليه، أو بلغته الدعوة فثبت أن العذر ينقطع بالعقل وحده ولو لم يكن به كفاية المعرفة لما انقطع به العذر.
ولأن المعجزة بعد الدعوة لا تعرف إلا بدليل عقلي وآيات الحدوث في العالم أدل على المحدث من علامات المعجزة، على أنها من الله تعالى فلما كان بالعقل كفاية معرفة المعجزة والرسالة كان به كفاية معرفة الله تعالى من طريق الأولى.