وله عقل مثل المسلم إلا أنهم لا يؤاخذون بالقضاء إذا أسلموا لأن الله تعالى وعدهم المغفرة بقوله: {قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف وإن يعودوا فقد مضت سنت الأولين} ترغيباً إياهم في الأيمان وقوله: {يغفر لهم ما قد سلف} دليل على أنهم كانوا مؤاخذين به وإنما غفر لهم بالإسلام.
ومن يقول أنهم غير مخاطبين، يقول إنهم لم يكونوا مؤاخذين فلا تتصور المغفرة.
ولا معنى بأن يقال: إن الكافر عاجز لأن عجزه بسبب كفره فلا يعتبر عذراً كعجز السكران، ولأنه قادر على أن يسلم فيصلي، كالجنب عاجز في حال جنابته ومخاطب لأنه قادر على أن يتطهر فيصلي.
وقال مشايخنا ببلادنا: إن الكفر يسقط الخطاب بالديانات في الشرائع التي تحتمل السقوط في الجملة وليست عن أصحابنا المتقدمين رواية وإنما استدلوا بمسائل منها أن المرتد إذا أسلم لا يقضي ما فاته لسقوط الوجوب عنه، وعند الشافعي: يقضي.
والثاني: أن المسلم إذا صلى وحج ثم ارتد-والعياذ بالله-ثم أسلم في الوقت.
لزمه عندنا قضاء الصلاة والحج لأن الخطاب انقطع بالردة فصار حال الإسلام ثانياً حال ابتداء الخطاب بعبادة الوقت.
وعند الشافعي لا يقضي لأن الخطاب لم ينقطع وقد أدى الواجب بالخطاب الأول إلا أن شيئاً من هذه المسائل لا يدل على سقوط الوجوب فإن المرتد كافر، والله تعالى وعد المغفرة للكافر إذا أسلم.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم:"الإسلام يجب ما قبله"ولم يفصل وأما إذا كفر بعدما صلى فإنما لزمه ثانياً لأن الأول قد بطل لقوله تعالى: {ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله} فيصير ما مضى كصلاة أداها مع الكفر.
ومنهم من جعل هذه المسألة فرعاً لمسألة الإيمان أنه قول وعمل أو قول بلا عمل فمن جعله قولاً وعملاً جعل الكل من الإيمان، وهو مخاطب بالإيمان فيكون مخاطباً بالعبادات أيضاً.
ومن جعله قولاً بلا عمل لم يخاطبه بها إلا أنه ساقط بأن سائر المعاملات والعقوبات ليست من الإيمان بالله تعالى، والكافر مخاطب بها ابتداء لا تبعاً للإيمان.
وقد ذكر محمد بن الحسن رحمه الله أن من نذر بصوم ثم ارتد والعياذ بالله ثم أسلم لم يلزمه قضاؤه لأن الشرك أبطل كل عبادة وإنما أراد وجوبها لأنه لم يؤده بعد، ولما كان منافياً للوجوب وثبت فيه نص الرواية ثبت المذهب.