الوجوب لشرع ورد فيه، وذلك لعلة الحرج فإن الحيض يصيبها في كل شهر عادة والصلاة تتكرر في كل يوم فلو أمرنا بالإعادة لتضاعف الوجوب عليها ولحرجت في ذلك فيسقط بسبب الحرج كما يسقط بالجنون الممتد وبالصبا، وهذه العلة معدومة في حق الصوم فلم يسقط.
وكذلك وجوب التتابع في باب الصيام لا يسقط إذا كان الصوم عشرة أيام أو ثلاثة وما يوجد عادة بلا حيض لأنها لا تحرج في إقامة هذا الشرط، وإذا كان شهرين سقط الوجوب أصلاً لأنها لا تجد شهرين لا تحيض فيهما عادة إلا نادراً أو بعد اليأس وربما لا تبلغ اليأس والنادر لا عبرة له فلو ألزمناها الإعادة بسبب الحيض متتابعاً لحرجت أو عجزت وسقط الوجوب دفعاً للحرج.
والرق من هذا القبيل لأنه ربما ينعدم به شرط بعض العبادات كالكفارات المالية فإن ملك المال شرط لأدائها وإنه لا يملك المال ما دام رقيقاً.
وكذلك وجوب الحج يسقط عنه أصلاً لا لعدم ملك الزاد والراحلة فإن الفقير الذي لا يملكهما إذا أدى جاز وكان فرضاً بخلاف العبد ولكن لعدم ملك المنافع التي يتأدى الحج بها فإنه عبادة بدنية ومنافعه صارت لمولاه إلا ما اسثتنى الله تعالى في باب الصوم والصلاة ولم يستثن في باب الحج لأنه لا وجوب بلا زاد ولا راحلة ولما لم يستثن صارت للمولى فلا تعود إليه بتمليك المولى كما لا يملك منافع غيره، ولا سائر الأموال بتمليك المولى فلا يصح الأداء بمنافع المولى كما لا يصح التكفير بمال المولى.
وكذلك يسقط بالرق إباحة نكاح الأربع من النساء إلى النصف، وكذلك الحدود التي تحتمل التنصيف تنتصف وكذلك العدة والتطليقات وحق القسم ونحوها ويبطل الولاية، وما يبتنى على الولاية من الإرث والشهادة.
فإن قال قائل: الكفر قسم خامس لم تذكره.
قلنا له: إن الكفر ليس من جملة الأعذار ثم إنه غير مسقط للخطاب عند أهل الكلام وهو مذهب الشافعي من الفقهاء، ومذهب عامة مشايخنا من أهل العراق لأن الكفر رأس المعاصي فلا يستفيد به حفة سقوط الخطاب كما لا يستفيد بالسكر وبالجهل إذا كان عن تقصير من قبله.
ولأن النبي صلى الله عليه وسلم بعث إلى الناس كافة فخطابه يعمهم إلا حيث خص بدليل، ألا ترى أنهم يخاطبون بأحكامنا في المعاملات والعقوبات والإيمان فكذلك العبادات.
وقال الله تعالى حكاية عن أهل الجنة: {يتساءلون عن المجرمين ما سلككم في سقر قالوا لم نك من المصلين} فأخبروا أنهم استحقوا النار بترك الصلاة لما ذكر أن الإنسان يصير أهلاً للإيجاب عليه بالذمة ولخطاب الأداء بالعقل والكافر له ذمة