ولم أر لهذا القول حجة يعتمد عليها وقد تفكرت في ذلك فلم أنل إلا واحداً وهو أن الكافر ليس بأهل لأداء العبادة لأن أداء العبادة لاستحقاق ثواب الآخرة بحكم الله تعالى، والكافر ليس بأهل له حكماً من الله تعالى على سبيل العقوبة، كما مل نجعل العبد أهلاً لملك المال والمرأة أهلاً لملك المتعة على الرجل بملك اليمين أو النكاح.
ولما لم يكن من أهل هذا العمل لم يكن من أهل الخطاب بالعمل لأن الخطاب بالعمل للعمل كالعبد لا يخاطب بالعبادات المالية من الكفارة وغيرها.
فتبين بهذا أن الكافر ما له ذمة الجنة والعبادات ثمن الجنة، فأشبه في حقه من لا ذمه له أصلاً من البهائم بخلاف الإيمان لأنه ثبت له به ذمة الجنة والكافر أهل أن يكتبه فصح الخطاب باكتسابه.
فإن قيل: هو من أهله إذا أسلم، والله تعالى خلقه على طلبه الإسلام منه.
قلنا: لا يجوز أن يخاطب بناء على طلبه الإسلام منه لأنه في حالة ليس بأهل لعمل يثاب عليه ولا أعد للإسلام مآله فيعطى حكم مآله بالإعداد له، كما قلنا في المني في الرحم والطفل وبيض الحرم، فإن الكافر مآله مآل الإسلام جبلة من الله تعالى ولا عادة منهم بل العادة في الكافر التمسك به كالمسلم وإنما يختار الإسلام نادراً كالمسلم يختار الكفر نادراً.
وليس الكافر كالجنب فإن الجنب يخاطب بالصلاة لأنه أهل بنفسه لعمل يثاب عليه غير أنه لا يصلح للصلاح لفقد شرطه، وهو الطهارة، كما لا يصلح لصلاة مع استدبار الكعبة مختاراً فهذا شرط لصحة الأداء ليصير أهلاً لعمل يثاب عليه في الآخرة فصح الخطاب به على أن يفعله بشرطه.
فأما الكافر فليس بأهل لعمل يثاب عليه في الآخرة وسبيله سبيل المولى يقول لعبده: أعتق عن نفسك عبداً أو كفر عن يمينك بالمال، كان لغواً لأن ملك المال شرط التصرف بهذا الخطاب والعبد ليس من أهل ملك المال.
وبمثله لو قال لآخر: اعتق عبدك عني بألف درهم فأعتق صح عنه لصحة الأمر به لأنه أهل للإعتاق إلا أنه فقد للحال شرط الأداء وهو الملك فصح الأمر به على ما يؤدي عنه المأمور به.
فإن قيل: العبد الماذون أو المكاتب يشتري فيصح منه تملك المال وهو ليس بأهل له!
قلنا: إنما يصح على معنى أن المولى يقوم مقامه في الملك أو يعتق بنفسه فيملك بذلك السبب إن كان مكاتباً، ولأن للعبد ضرب ملك، وكذلك للمكاتب على ما بينا في موضعه، وهو ملك التصرف بحكم ملكه ذلك المال يداً إن لم يملك رقبة فلا يخلو في