وأما يمين المكره، ونذره، ونكاحه، وطلاقه، وعتاقه، فلازم، وكذلك الكلام مكرهاً في الصلاة يبطلها، وكذلك الأكل في الصوم مكرهاً، أو سبق الماء حلقه خطأ يفسده، وكذلك من ارتكب محظوراً من محظورات الحج مكرهاً أو مخطئاً لزمته الكفارة.
فإن قيل: أليس المكره على القتل لا يقتل عندكم ولا يضمن شيئاً، وكان فعله هدراً؟
قلنا: لم يهدر حكم الفعل فإن القصاص واجب به، لكن لم يجب على الفاعل كرهاً بحكم انعدام الفعل منه بأن جعل آلة للذي حمل عليه كأن قبض على يديه فقتل بيده إنساناً على ما بينا في موضعه، ولذلك وجب على الذي أكرهه لأن الفعل أضيف إليه.
ومتى انعدم الفعل لم يكن عدم حكمه بالكره لكن بعدم الفعل كما لو لم يفعل بغير كره.
فأما فعل لا يستقيم أن يجعل المكره المباشر آلة للآمر فالفعل لا ينتقل عنه ويبقى مقتصراً عليه على ما بين في موضعه، فإذا بقي وصار فاعلاً لزمه حكمه إلا ما يبطله الهزل فالأقوال كلها لا يمكن أن تجعل الفاعل عن كره آلة فيها للآمر إذ الرجل لا يمكنه التكلم بلسان غيره وكذلك الأكل والزنا ونحوهما.
فأما القتل فممكن بيد غيره وكذلك الإتلافات كلها ولهذا قرن النبي صلى الله عليه وسلم بينهما فقال:"رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه".
وأما الجهل: فمثل الخطأ والنسيان لأن الجهل بالحق لا يكون إلا للجهل بدليله، وسبب وجوبه فيكون الإعراض عن إقامته لا عن قصد العصيان والخلاف بل كما يكون من المخطئ والناسي فيكون الجاهل عاجزاً حكماً كالناسي فيكون الجهل عذراً يؤخر حكم الخطاب ولا يسقط الوجوب أصلاً كالخطأ والنسيان، ولهذا قيل: إن العبد إذا عمل باجتهاده في حادثة لا نص فيها عنده ثم بلغه نص بخلاف رأيه لم يأثم على ما مضى ولزمه نقض ما أمضى باجتهاده ولو سقط أصلاً بالجهل لما لزمه النقض كما لو نزل النص بعد رأيه في زمن الوحي.
وأما باب الحيض والرق: فإنا نقول إن الحيض لا يوجب عجزاً من حيث ذهاب قدرة البدن أو قدرة القلب بعلمه وعقله، ولكن يوجب عجزاً حكمياً من حيث فوت شرط الأداء من حيث الظهر عن دم الحيض في حق الصوم أو عدم الطهارة في حق الصلاة ونحوها فإنه دون العجز الذي يثبت بالنوم فكان القياس أن لا يسقط أصل الوجوب بل يؤخر حكمه إلى حين القدرة، إلا أنا تركنا هذا القياس في باب الصلاة فأسقطنا به