ولهذا قلنا: إن كلام الناسي يبطل الصلاة، لأن أصل وجوب الحظر لا يرتفع بالنسيان، وإنما يرتفع وجوب الكف عن الحرمة، فلا يأثم، وبقي الكف شرطاً لصحة الصلاة لما بقي الوجوب فلا يتأدى بدونه، كما إذا نسي الطهارة فصلى بدونها لم يأثم، ولا تجوز.
وقلنا أيضاً: القياس أن يفسد الصوم بأكل الناسي، وكذلك الخطأ في حكم النسيان، بدليل أن المخطئ لا يأثم إذا ترك خطأ أو ارتكب خطأ، كأن الحظر لم يبق معه، ولهذا استثنى الله تعالى الخطأ من الحظر، فقال: {وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمناً إلا خطئاً} وما كان للتحريم، وقد استثنى منه ما يكون خطأ فثبت أنه في حكم المباح في حق الفاعل، ولهذا لم يأثم إذا لم يكن خطأ عن تلهي وتلعب، بل كان خطأ بعد تحري الإصابة، وهذا لأن المخطئ حده: من قصد فعلاً على تحري الصواب فأخطأ فوقع غير صواب بلا قصد منه إلى الخطأ، ولهذا كان الخطأ ضد العمد، فهو كالناسي الذي لم يقصد ترك ما أمر به، بل ترك على تحري أنه لم يؤمر به لنسيانه المأمور به، فصار تاركاً ما أمر به بغير قصد، فهما باب واحد.
ولهذا قلنا: إن كلام المخطئ صحيح حكماً، ككلام العامد، فإن يمين المخطئ صحيحة توجب الكفارة، كيمين العامد وتفسيره؛ من أراد أن يسبح فسبق لسانه يمي، وكذلك نكاح المخطئ، وطلاقه، وعتاقه، ونذره، وكل ما لا يبطله الهزل لم يبطل بالخطأ، لأن الموجب بصحة كلامه شرعاً قائم أصلاً مع الخطأ، فأما البيع خطأ، فلا ينبغي أن يلزم كما لا يلزم مع الهزل والكره وشرط الخيار لنفسه، لأن الشرع بنى لزومه على التراضي بعد صحة المعاقدة، ولا رضاء إلا بعد قصد صحيح فأما عقد يلزمنا حكمه بلا شرط رضا فلا يبطل لعدم القصد، كما لا يبطل باستثناء الخيار، فإن مستثنى الخيار غير راض بلزومه بنص الخيار لنفسهن فكان فوق الذي لم يرض وبقي الخيار بعدم الرضا لنفسه.
وأما إذا سلم الشفعة خطأ بطلت شفعته لا بالتسليم، فإنه مخطئ غير راض به، ولكن بترك الطلب، كما لو سكت ولم يسلم، ولهذا يلزم القاتل خطأ الكفارة، ويحرم الإرث، ولو سقط بالخطأ حرمه القتل أصلاً لما لزمه حكم القتل المحظور.
وكذلك الكره بمنزلة الخطأ أو دونه، لأن المكره مختار لما فعله قاصد إياه، لأنه عرف الشرين فاختار أهونهما عليه عن علم وقصد، إلا أنه قصد فاسد، لأنه قصد راضياً به ومريداً إياه، بل لدفع الشر عن نفسه فلحق بحكم الفساد بعدم القصد فلا يقع هدراً، وإنما يبطل به ما يتعلق لزومه بالرضا، كالبيع، والإجارة، وما لا يلزم مع استثناء الخيار أو مع الهزل.