النوم تأخير حكم الخطاب في حق العمل به لا سقوط الوجوب أصلاً على ما قال النبي صلى الله عليه وسلم:"من نام عن صلاة أو نسيها فليصليها إذا ذكرها فإن ذلك وقتها"ولما ذكرنا أن نفس العجز لا يسقط الوجوب أصلاً وإنما يسقط وجوب العمل به إلى حين القدرة إلا أن يطول فيسقطه دفعاً للحرج.
والنوم لا يمتد عادة بحيث يحرج العبد في قضاء ما يفوته في حال نومه لأنه عادة لا يمتد مع الليل يوماً كاملاً لا يستيقظ فيه وإنما يكون بالليالي.
والإماء بمنزلته إلا في حق الصلاة فإنه إذا كان مدة ست صلوات سقط القضاء لأن الصلاة تتكرر بست، وفي ذلك حرج.
والإغماء في العادات يمتد هذا القدر من المدة فجعل مسقطاً لوجوب الصلاة دفعاً للحرج بمنزلة الجنون فكان الإغماء كالنوم في حق الصوم والزكاة لأنه لا يمتد في العادات شهوراً وسنين.
فإن قيل: إن السكر بمنزلة الإغماء ولم يتأخر به حكم الخطاب.
قلنا: السكر إنما يحصل بسبب هو معصية وهو شرب المسكر، واجتماع ذلك الحرام في معدته فلم يجعل عذراً شرعاً على ما عرف في غير هذا الوضع.
وأما باب النسيان: فيتعلق به انعدام فعل ما أمر به لعدم القصد إليه بسبب النسيان لا للعجز، إلا أن القصد لا يتصور منا إلى فعل بعينه قبل العلم به، كقصد زيارة زيد، لا يتصور بدون زيد، وقصد صوم رمضان قبل العلم به لا يتصور، وكذلك قصد استعمال الماء لا يتصور إلا بعد العلم به، فصار في حكم العجز وإن بقيت القوى الغريزية معه فصار في حكم النوم، لأنه آفة مخلوقة فيه جعلته كالنوم، وقد قرن رسول الله صلى الله عليه وسلم بين نسيان الصلاة والنوم عنها على ما مر ذكره. إلا أن يكون نسياناً عن لهو أو لعب فيؤاخذ به، كالنوم عن سكر.
ولهذا قال أبو حنيفة ومحمد رحمهما الله: إن من نسي الماء في رحله وهو مسافر فتيمم أجزأه، لأنه يعجز عن استعماله بالنسيان، كما يعجز بعدم الماء فيسقط به خطاب استعمال الماء فيسقط إلى خطاب التيمم.
إلا أن أبا يوسف لم يجوزه، لأن رحل المسافر معدن الماء، فلا يعذر في ترك الطلب فيه، وإن لم يتذكر، كما لو كان بقرية عامرة وعدم الماء مكانه، ونسي أن يطلب وتيمم، فإنه لا يجوز، لأنها معدن الماء، فلما كان العجز بسبب هو مقصر فيه لم يجعل عذراً كعجز عن السكر.