وعلى هذا الرماة إذا نصبوا غرضاً فرموا على تحري الإصابة كانوا كلهم مصيبين في تحريهم الإصابة.
وإذا أرسلوا أخطأ بعضهم الغرض وأصاب البعض ولم يصر واحد منهم مخطئاً في تحريه الإصابة بطريقه.
فإن قيل: خطاؤه في تقصيره في طلب طريق الإصابة لا في قصد الإصابة، وهكذا نقول في الرامي أنه أخطأ جهة الاستعمال للإصابة والتقصير من العبد آفة من قبله فأما الله تعالى فأعطاه من الرأي ما لو بذل مجهوده كل البذل لأصاب الحق على الحقيقة، ولكنا عند التعيين لا نجعل أحد مصيباً يقيناً لأنا لا نعلم بعدم تقصيره في الطلب.
قلنا: إن الله تعالى كما لم يكلف ما ليس في الوسع فما كلف ما فيه الحرج قال الله تعالى: {وما جعل عليكم في الدين من حرج} وفي بناء الخطاب على هذه المبالغة في استعمال الرأي حرج عظيم فيصير عفواً، ويجب بناء الخطاب على المعتاد من الاستعمال، وذلك لا يوصلنا إلى حقيقة العلم بلا خلاف وهذا كما قلنا: في الحربي إذا أسلم ولم يصل مدة لم يلزمه القضاء وسقط الخطاب عنه لأنا لو كلفناه طلب الدليل في دار الحرب لحرج في طلبه مسلماً يسأله، وإن تصور فيها مسلماً فسقط الخطاب، ولو كان ذمياً يلزمه القضاء لأن الطلب متيسر في دار الإسلام فلم يعذر بترك الطلب.
وعلى هذا الاختلاف يحرج أمر الكعبة في حق الغائبين عنها، وانقطاع دليل العيان عنهم: فالأمر بالتوجه إليها ثابت عندنا على تحري الإصابة دون الإصابة على الحقيقة.
وعند الشافعي رحمه الله: الأمر ثابت على تحقيق الإصابة يقيناً لأن طريق الإصابة ما يوقف عليه في الجملة لو تكلف العبد كل التكليف لمعرفة تركيب الأرض والسماء وكيفية جهات الأقاليم إلا أنه عذر دونه بسبب الحرج فكان مبيحاً لا مسقطاً أصلاً فبقي أصل الأمر متعلقاً بالإصابة حقيقة فمتى ظهر الخطأ يقيناً لزمت الإعادة كالعمل بالرأي أبيح بشرط أن لا يخالف النص، وعذر في العمل به، وإن لم يتحقق العدم، ولم يتكلف كل التكلف في طلب النص ولكن لم يسقط به أصل الخطاب فأبيح له على شرط أنه إن ظهر نص بخلافه فسد عمله.
وأصحابنا بنوا وجوب طلب الكعبة بعد الغيبة عنها على الدلائل المعتادة للبشر بلا حرج كثير يلحقهم في طلب ما ليس بمعتاد من العلم، ولا مأمور بالشرع من علم الهندسة وكيفية تركيب الأرض والسماء والدلائل المعتادة من الشمس والنجوم لا توصلنا إلى حقيقة الكعبة فقط الخطاب بإصابة الكعبة لقصور الحجة، ولزمه العمل بالتوجه إلى جهة فيها رجاء إصابة الكعبة.
وقالوا: إذا فقدت النجوم والمحاريب المنصوبة وخبر الناس عن هذه الأدلة، وجب