العمل برأي القلب وهذا الرأي لا يوصله إلى الجهة الظاهرة حال ظهور الشمس والمحاريب أسقطت إصابة تلك الجهة ولزمه التوجه إلى جهة فيها رجاء إصابة المحراب الظاهر فإذا عمل بذلك القدر صار مؤتمراً بالأمر، فلا يقع عمله فاسداً بترك ما ترك لأنه لم يؤمر به كرجل يقاتل الكفار بطريق يرجو فيه نصرة الله فإنه يصير مؤتمراً بأمر الجهاد وإن قتل وكانت الدبرة عليه لأنه ليس في وسعه أكثر من هذا.

بخلاف حادثة فيها نص ولم يشعر به وعمل بالرأي بخلافه لأنه كلف العمل بالرأي بشرط أن لا يخالفه نصاً على ما قاله المخالف لأن النص الذي يخالفه مما ينال حال الحاجة إلى العمل لولا تقصير منه في الطلب، فإنه لو كان طلبه من قبل أمكنه العمل به حال حاجته هذه ألا ترى أن زوال هذا الجهل مقرون بمعنى يوجد منه لا بتبدل حال الدليل من الله تعالى.

فأما الخطأ في باب القبلة فإنما يتبين بزوال الغيم وظهور النجم، وذلك أمر سماوي يتبدل به حال الدليل، ولهذا المعنى نقول فيمن اجتهد وتوضأ بماء ثم تبين أنه نجس أنه يعيد الصلاة.

وكذلك الثوب لأن طريق العلم بتلك النجاسة الخبر كما في المسألة الأولى ولقصور منه في الطلب كان الجهل والخبر عن القبلة هو إن بلغه في موضعه لا ينفعه في هذا الموضع فلا يبقى إلا النجم.

وعلى هذا قال أبو حنيفة ومحمد رحمهما الله فيمن تحرى بصدقته، ووضعها عند غني أنه يجزيه لأن الأمر متوجه عليه بالدفع إلى إنسان على تحري الفقر لا غير لأن الدليل على حقيقة فقر الغير مما لا ينال أصلاً، ولا ينال إلا بحرج.

فالذي قاله الشافعي قياس والذي قلناه استحسان.

وهذا بخلاف الاجتهاد في صفات الله تعالى، فإن المخطئ لما عند الله مخطئ في حق نفسه أيضاً لأن لله تعالى دلائل عليها توجب العلم يقيناً في أصل الوضع فلم يقع الخطأ إلا بقلة التأمل، ألا ترى أن المخطئ فيها يضلل ويبدع بخلاف هذه الأبواب، والله أعلم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015