قلنا: هذا لا يجوز أن يعتقد فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم عمل برأي أبي بكر ولا بد أن يقع عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أقر عليه، والله تعالى قد قرره عليه فقال: {فكلوا مما غنمتم حلالاً طيباً} وتأويل العتاب والله أعلم: {ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض} وكان ذلك كرامة خصصت بها رخصة لولا كتاب من الله تعالى سبق بهذه الخصوصية لمسكم العذاب بحكم العزيمة على ما قال عمر.
والوجه الآخر ما كان لنبي أن يكون له أسرى قبل الإثخان، وقد أثخنت يوم بدر فكان لك الأسرى كما كان لسائر الأنبياء عليهم السلام، ولكن كان الحكم في الأسرى المن أو القتل دون المفاداة فلولا الكتاب السابق في إباحة الفداء لك لمسك العذاب.
وقال في قصة داود وسليمان: {فهمنها سليمان وكلا ءاتينا حكماً وعلماً} فبين الله تعالى أن سليمان أصاب الحق الذي عند الله دون داود ثم أخبر أنهما جميعاً، أوتيا من الله حكماً وعلماً والخطأ المحض لا يكون حكم الله تعالى فثبت أن تأويله أنه حكم الله من حيث أنه صواب في حق العمل لولا الوحي بخلافه.
وقال عبد الله بن مسعود لمسروق وعلقمة لما اختلفا؛ كلاكما أصاب، ولكن صنيع مسروق أحب إلي.
والاستدلال يدل عليه فإن الخطاب مبني على قدر الوسع وقد أمرنا بالعمل بالقياس وأنها لا يوصلنا إلى الحق الذي هو عند الله قطعاً بلا خلاف.
والنزاع فيما لا يعلم يقيناً بالرأي فثبت أنا لم نؤمن بالعمل به على شرط إصابة الحق حقيقة لأنه لا يوصلنا إليه، ولكن على تحري الإصابة لأن الدليل مطمع في الإصابة غير موجب ليكون اللزوم بقدر الحاجة.
فإن قيل: إذا جعلناه معذوراً غير مأخوذ به إذا لم يصب الحق فقد أخرجناه عن عهده الإيجاب.
قلنا: إن كلامنا هذا في حقوق تحتمل النسخ والتبديل، فالفتوى بغالب الرأي لا يجوز إلا فيها، ومثل هذا الحق يسقط أصلاً بالحرج وعدم الوسع على ما ذكرنا في الباب الذي بعده وإذا سقط عنا ذلك لم نصر مخطئين بالاقتصار دونه.
ومثال ذلك أمر الله تعالى بقتال الكفار لإعلاء كلمة الله، وإذلال الشرك ونحن لا ندري إصابة النصرة إلا بغالب الرأي فمن قاتل على تحري إصابة النصر كان مصيباً في قتاله متمثلاً بأمر الله تعالى قتل أم قتل، وكان مستحقاً للأجر العظيم لأنه مصيب لما قاتل على تحري إصابة النصرة أصاب أم لم يصب حتى لو تيقن بأنه يقتل لا محالة من غير أن ينكأ نكاية وقصد بالقتال أن يقتل لا غير كان آثماً.