وكذلك متى عمل بالقياس ثم روي له نص بخلافه حتى تبين خطأه يقيناً بطل ما أمضى بقياسه.
وكذلك من حضرته الصلاة ومعه ثوب أو ماء شط في طهارتهما فإنه يستعملهما على تقدير الطهارة بحكم استصحاب حال الطهارة فيلزمه ذلك وإذا تبين نجاستهما فسد عمله من الأصل.
وما روي من إطلاق الإصابة على المجتهدين فعلى ما إذا لم يتبين وجه الخطأ واشتبه فإن الواجب عند الاشتباه العمل بأي قياس كان فيكون العمل من كل مجتهد بقياسه صواباً ظاهراً ما لم يتبين خطاؤه.
وهكذا نقول في قوم اختلفوا في جهة الكعبة عند الاشتباه وصلوا أن صلاة كل واحد منهم جائزة حتى يتبين عليه خطاؤه فيحنئذ نأمره بالإعادة، ولا يلزمنا ما ألزمنا الأول من القول بالحظر والإباحة لأنا أبينا ذلك حقاً من الله تعالى.
نحن بإيجاب العمل على كل مجتهد بقياسه ما أثبتنا الحقية في حق الله تعالى بل هو في حق العامل لضرورة عدم الحجة على الذي هو حق عند الله، وخطاب الله تعالى يسقط بحال الضرورة بقدرها ألا ترى أنه جاز مثله في النصوص فإن العلماء اختلفوا في الأحكام لاختلاف الأخبار على حسب الثبوت عندهم مع علمنا أن الثابت واحد من الجملة.
وأما الحجة للذين قالوا بأنهم مصيبون في حق العمل: فما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في المجتهد:"إن أصاب فله أجران وإن أخطأ فله أجر"والأجر لا يجب إلا بالعمل على سبيل الائتمار بأمر الآمر فثبت أن المخطئ للحق عند الله تعالى مؤتمر بعمله بأمر الله تعالى، والائتمار بالأمر يكون صواباً لا محالة.
وقد اختلف أبو بكر وعمر رضي الله عنهما في أسارى بدر، فأشار أبو بكر إلى الفداء، وعمر إلى القتل فشبههما رسول الله صلى الله عليه وسلم بنوح وإبراهيم عليهما السلام حيث سأل نوح العذاب وإبراهيم المغفرة، وكان أحدهما مخطئ الحق عند الله تعالى لا محالة فلو كان يصير مخطئاً غير مصيب لما صح التشبيه بالرسولين عليهما السلام وسؤالهما كان صواباً.
فإن قيل: أليس الله عاتب رسوله صلى الله عليه وسلم على الفداء، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لو نزل العذاب ما نجى إلا عمر"فدل على أن أبا بكر كان مخطئاً؟