- وأما الذين قالوا: إنه لا يقتضي التكرار إلا بدلالة فذهبوا إلى أن الأمر بالفعل لا يصح إلا بمفعول هو اسم على سبيل النكرة كقولك: صل، لا يستقيم إلا بمفعول هو صلاة، ولكنه ثبت على سبيل التنكير لأنه يثبت مقتضى بالنص لا منصوصاً عليه، والمقتضى لا يثبت إلا ضرورة، والضرورة ترتفع بالنكرة فيصير في التقدير كأنك قلت: صل صلاة، فتكون الصلاة نكرة في الإثبات فتخص كقول الله تعالى: {فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا} إلا ان يزيد القائل زيادة فتثبت لأنه يحتمل ذلك فإن المقتضى يجوز أن تكون صلاة، وكل الصلوات، ألا ترى أنه لو صرح به فقال: صل الصلوات استقام وكان بياناً.
بخلاف النهي فإنه للنفي، فإذا قلت: لا تصل فكأنك قلت: لا تصل صلاة، فتكون نكرة في النفي فيعم كقول الله تعالى: {ولا تطع منهم آثماً أو كفوراً} فثبت أن التكرار لا يثبت إلا بدلالة أخرى ولهذا قلنا- فيمن قال لآخر: تصدق من مالي بدرهم-: لم يملك إلا مرة واحدة، ولأن الأمر أحد أقسام التصريف.
ومن قال دخل فلان الدار لم يفهم منه التكرار ولكن يحتمل أنه دخل مراراً، وكذلك إذا قيل: يدخل فكذلك إذا قيل له: ادخل.
فأما الذين قالوا بالتكرار في المعلق بالشرط فإنهم تمسكوا بالأوامر الشرعية المتعلقة بأوقات أو أموال في باب الزكاة، والعقوبات المتعلقة بالمعاصي فإنها متكررة بتكرر شروطها.
وأما الدليل لما قلنا، وهو أن الأمر بالفعل لا يقتضي تكراراً ولا يحتمله: فإن التكرار في اللغة: العود مرة بعد أخرى والفعل لا يحتمل العود لأنه حركات تنقضي فيكون الثاني غير الأول لا محالة، وإنما يسمى تكراراً مجازاً لعود مثل الأول، وهو في الحقيقة إعداد يحتمل كما في الأعيان، وليس في النص ما يحتمل العدد لأن قول القائل: ادخل الدار، أمر بحركات معلومة في تمامها دخول، لا عدد دخول ولهذا قلنا- فيمن قال لامرأته؛ طلقي نفسك ونوى به ثنتين-: لم يصح، لأنه نوى زيادة عن عدد التطليق. وما في نصه ما يحتمل التعدد لأن التطليق اسم للقول لا للحساب كما لو قال: اشتر لي عبداً لم يحتمل عبيداً ولا شراء بعد شراء.
وكذلك لو قال: تزوج امرأة ونوى به مرة بعد أخرى لم يصح.
وكذلك لو قال لامرأته: طلقتك، ونوى به ثنتين لم يصح لأنه نوى ما لا يحتمل لفظة.
فأما عبادات الله تعالى فإنما لزمتنا على سبيل التكرار لا بالأوامر، ولكن بتكرر علل الوجوب على ما نذكرها، وهي أسباب أخرى غير الأمر، فالأمر كان طلباً لأداء الواجب